في عام 2004 أصدر الكاتب الفرنسي (باسكال بونيفاس) كتابا بعنوان (من يجرؤ على نقد إسرائيل) وفي تفاصيله كلام واضح من واقع تجربة وممارسة يؤكد أن حرية التعبير أو النقد تقف عاجزة وجبانة عن نقد إسرائيل مقارنة بالدول الأخرى. أدعوكم لقراءة مقطع من هذا الكتاب (يستطيع المرء أن يمارس النقد ضد الحكومة الفرنسية، وضد دستور فرنسا، وأن يتهم رئيس الجمهورية، أو رئيس الوزراء وينعتهما بأفظع النعوت دون أن يتعرض لأي أذى. يستطيع المرء أن يحكم بصورة سلبية على حكومات دول أخرى، وأن ينتقد الطابع الانفرادي لأمريكا في العلاقات الدولية وسياستها العسكرية، وأن يدين جمهورية الصين الشعبية بمناسبة قمعها للمظاهرات، وأن ينتقد روسيا لقصور العدالة. باختصار يمكن للمرء أن ينتقد كافة الدول الأعضاء في الأممالمتحدة بدون أن يواجه صعوبات، وبدون أن يتعرض للخطر. لكن هناك دولة واحدة – ودولة واحدة فقط – هي دولة إسرائيل يؤخذ النقد الموجه الى حكومتها مباشرة على أنه عنصرية مقنعة. وإذا سمحت لنفسك بالتشكيك في سياسة شارون – أيام حكمه – ستتهم على الفور بالعداء للسامية.) المقطع السابق من كتاب صدر قبل عشر سنوات، فهل تغير الوضع الآن؟ الإجابة نجدها في مشاركة رئيس حكومة إسرائيل في مسيرة باريس الدولية التضامنية ضد الإرهاب، وهو أحد المتهمين بالإرهاب ويرفض مبادرات السلام وانهاء الاحتلال وحل الدولتين، مع ملاحظة – يا للتناقض – أن فرنسا صوتت في مجلس الأمن تأييدا لقرار إنهاء الاحتلال! مشاركة رئيس حكومة إسرائيل في تلك المسيرة كانت اختبارا جديدا لشعار حرية التعبير، وكانت نتيجة الاختبار (لم ينجح أحد). نعم لم ينجح أحد ولم يجرؤ أحد على انتقاد هذه المشاركة، وكأن العالم مقيد بقانون يجرم نقد إسرائيل لكنه لا يجرم السخرية من الأديان والأنبياء. هذا الكتاب هو امتداد لكتاب صدر قبل عشرين سنة في أمريكا من تأليف السيناتور الأمريكي بول فندلي بعنوان (من يجرؤ على الكلام) وفيه يتحدث عن سيطرة اللوبي الصهيوني في أمريكا وعن حرية التعبير التي تنتقد كل شيء وتجبن إزاء نقد إسرائيل. فقد يقال إن ما سبق يعبر عن نجاح إسرائيلي وفشل عربي، ولكنه بالمعايير الأخلاقية فشل عالمي، فحرية التعبير مهما كانت قيمتها لا يمكن أن تكون مطلقة ولا يمكن أن تسمح بسلوك أو خطاب ينشر الكراهية بين المجتمعات الإنسانية. أختم هذا المقال بالبيان الذي صدر قبل فترة عن هيئة كبار العلماء في المملكة الذي يدعو الى الاحترام المتبادل والتعايش البناء منددا بنشر الرسوم المتطاولة على خاتم الأنبياء والمرسلين الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين محمد صلى الله عليه وسلم والتي لا تمت الى حرية الابداع والتفكير بصلة معتبرا أن نشر هذه الرسوم يخدم المتطرفين الباحثين عن مسوغات للقتل والإرهاب.