رأيت جاليات صينية في مدن مغربية غير متوقعة في شهر يناير الماضي.. تفاجأت في البداية ولكنني تذكرت أنني سبق ورأيت جاليات صينية في دول أقل دخلاً وازدهاراً من المغرب وكافة الدول العربية.. وهي ظاهرة عالمية تدعو للتساؤل إن كان لهجرة الصينيين هدف(غير اقتصادي) لا يمكن لشعوب العالم فهمه.. فاليوم تشكك الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا في نوايا الاستيطان والتغلغل الصيني (خصوصاً في القارة الأفريقية لدرجة بنوا للحكومة قصراً رئاسياً جديداً في الخرطوم).. فالقارة الأفريقية السمراء بمشاكلها الحياتية والاقتصادية البائسة لم تعد موقع جذب للاستثمارات الغربية. وفي المقابل وجدت الصين في هذه القارة سوقاً كبيراً لبضائعها الرخيصة تناسب المداخيل الضعيفة لسكان القارة من جهة وتوفر للشركات الصينية الخامات الأولية من جهه أخرى .. وحاليا غدت البضائع الصينية الأكثر رواجاً في أسواق المغرب وأثيوبيا والسودان والصومال وأوغندا وساحل العاج وأصبحت الجاليات الصينية تملك مدناً وأحياء خاصة بها. وبتطور العلاقات السياسية والتجارية بين الطرفين بدأت نواة أحياء صينية (أو تشاينا تاون) تظهر في دول أفريقية كثيرة كنيجيريا وكينيا والسودان والمغرب العربي (حيث تشاهد بوضوح في سوق درب عمر في الدار البيضاء)!! وكنت قبل ذلك بكثير قد شاهدت جاليات صينية كبيرة في لندن ونيويورك ومونتريال وسان فرانسسكو وسيدني وكوالالامبور ودبي... إلا أن وجودهم في هذه المدن بدا لي طبيعياً لثراء هذه المدن من جهة ومهارة الصينيين في تصيد الفرص من جهة أخرى.. أما أن يتواجدوا في دول متوسطة الحال كالمغرب والسودان ونيجيريا واندونيسيا والفيليبين (لا تتفوق على بلدهم الأصلي من حيث دخل الفرد أو التجارة الخارجية) فهذا أمر يثير الحيرة والريبة في نفس الوقت.. وفي الحقيقة سبق أن تساءلت إن كانت الصين تشجع أبناءها على الاستيطان في الخارج -كنوع من الاستعمار المبطن خصوصا أن الشعوب الصينية تشكل أصلا 21% من مجموع البشر. وهذا الاتهام ليس جديداً او طارئاً بل تناقله الآسيويون أنفسهم عن الجاليات الصينية منذ سبع مئة عام أو أكثر. فرغم انهم لا يشكلون سوى10% من سكان الدول الآسيوية إلا انهم يسيطرون على قطاعات رئيسية تفوق نسبتهم بكثير. فالجاليات الصينية مثلا في ماليزيا واندونيسيا والفيليبين وتايلند (وجميعها دول لا تتفوق على الصين في نسبة النمو الاقتصادي) تملك زمام الاقتصاد وتتركز فى أيديها أسباب الازدهار التجاري والصناعي بنسب تصل الى90% .. وبسبب هذا التميز لايحظى الصينيون بمودة الشعوب المحلية ويشيع بينهم المثل الساخر "لايهتم الصينيون بمن يقود البقرة (الدولة المستضيفة) طالما يحلبونها في النهاية"!! وبطبيعة الحال نجاح الشتات الصيني لا يقتصرعلى أفريقيا وآسيا بل بدأ منذ قرنين في أمريكا وأوربا وأستراليا.. فجميع المدن الكبرى هناك (واسالوا طلابكم المبتعثين) لا تخلو من أحياء صينية متكاملة (أو تشاينا تاون) تضم جاليات صينية نشطة.. وكان الصينيون زمن الاستعمار الأوروبي أول من أرسلوا أبناءهم الى جامعات عريقة كأكسفورد وكامبردج وهارفارد أتاحت لهم فرص الاستيطان وتولي مناصب مهمة في الدول الغربية نفسها ! .. حين أنظر للمستقبل القريب لا أجزم فقط بتفوق الصين على بقية العالم، بل واستعمارها للكرة الأرضية من خلال بؤر استيطانية تشاهد هذه الأيام في مدنه الكبيرة!!