التاريخ الافريقي يتحدث عن انه برغم مرور عقود كاملة على تحرير غالبية الدول الافريقية من الاستعمار فان القارة السمراء لا تزال تعاني من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي سببها عهد الاستعمار ومخلفاته. وتثور منذ سنوات طويلة قضية تتبناها المنظمات والجماعات المعبرة عن الافارقة او السود في انحاء مختلفة من العالم تطالب العالم الغربي (الاستعمار الغربي) الذي بنى حضارته الحديثة على أنقاض وثروات القارة في عهد استعماره البغيض المباشر او غير المباشر بضرورة الاعتذار الرسمي والعلني والصريح عن تلك الفترة السيئة وعن العبودية ونظام الرق ومع المطالبة ايضاً بالحصول على تعويضات مالية تناسب حجم ما اقترفته الدول الاستعمارية سابقاً في حق القارة السمراء من كبائر. ومازالت القضية مفتوحة.. ومازالت افريقيا غير قادرة على التوحد والتكتل من اجل المطالبة بتعويضات ربما تكون قادرة على اخراجها من بعض عثراتها من فقر وجوع ومرض وحروب اهلية وصراعات عرقية. اذن من يعوض القارة السمراء عن الماضي الأليم؟. جاءت الوعود من زعماء العالم في المحافل الدولية بتقديم العون والمساعدات واسقاط الديون عن الدول الافريقية الفقيرة، ولكن لم يوفوا بعهودهم، غير ان الصين (التنين الاصفر) رأى ماذا تعني افريقيا بالنسبة له؟. وفي هذا الاهتمام للعملاق الاصفر، ماذا تعني الصين بالنسبة لافريقيا؟ ومااذ تعني افريقيا للصين؟ قد يبدو هذان التساؤلان مهمين جداً. لقد شهدت العلاقات بين الصين وافريقيا تقدماً كبيراً في الآونة الاخيرة في عدة مجالات واصبح للصين استثمارات هائلة في القارة السمراء، عكس ما فعله الاستعمار الاوروبي من نهب لثرواتها وبناء مجتمعاته على خيرات افريقيا.. واصبحت الصين ممثل الشراكة الجديدة للتنمية في افريقيا، ليكون العملاق الاصفر يمثل شراكة جديدة ويعتبر دليلاً على احساس الصين بأهمية افريقيا وما تزخر به من ثروات ومواد خام من أجل تنمية الصناعة الصينية التي غزت العالم. ومن أسباب توجه الصين نحو افريقيا وتنفيذاً للشراكة الصينية الافريقية: 1 زيادة معدلات نمو الاقتصاد الصيني في العقدين الماضيين حيث حافظت الصين على معدل نمو نسبته (9%) وزاد حجم الفائض التجاري بصورة قياسية لم يسبق لها مثيل الى (200) مليار دولار، مما دفع هذا البلد الى السعي نحو ضخ جزء من هذا الفائض في صورة استثمارات خارجية ضخمة تحتاجها افريقيا في الفترة الحالية بطبيعة الحال لحل كثير من مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية وعلى رأسها البطالة. 2 رغبتها أي الصين في البحث عن اسواق جديدة واعدة لتصريف منتجاتها الهائلة التي غزت العالم بما فيه دول اوروبا الصناعية والولايات المتحدة نفسها. 3 كما ادت الطفرة الصناعية الهائلة التي تشهدها الصين ودخولها عصر الصناعات التكنولوجية الدقيقة بشكل أكثر تطوراً، الى جانب الصناعات التقليدية الاخرى، يدفعها الى بذل مزيد من الجهود للوصول الى احتياطياتها من المواد الخام المتوافرة بأسعار زهيدة في افريقيا. 4 وهناك ايضاً تراجع واضح تعاني منه الصين في الانتاج المحلي للطاقة وكذلك حاجتها للانتقال الى مرحلة استخدام مصادر الطاقة النظيفة بدلاً من الفحم لاعتبارات بيئية وهو ما يعني حاجتها الى هذه المواد بصورة عاجلة منعاً لتوقف مصانعها او تأثر سير العمل بها، ولهذا حصلت شركات صينية على عقود بترولية في عدد من الدول الافريقية مثل السودان وتشاد ونيجيريا، ومازالت تبحث عن المزيد. ومن هنا يتبين ان الصين لم تدخل افريقيا من باب المستعمر او المستغل للقارة السمراء، بل من باب الدعم والمساندة والاستثمار وربما كان هذا سبب نجاح تأثيرها في العديد من الدول الافريقية حيث اصبح لها ثقل وتأثير في القارة. ولقد جاء تقرير البنك الدولي الصادر في عام (2008م) الى ان الاستثمارات الصينية في افريقيا اسهمت بشكل كبير في الحد من الفقر في القارة السمراء فقد اشارت الاحصاءات الدولية الى ان حجم التبادل التجاري بين الصين وافريقيا قد زاد عشرة اضعاف ليصل الى (107) مليارات دولار في عام (2008) اي بزيادة تصل الى 45% خلال سنة واحدة، كما ان حجم الاستثمارات الصينية المباشرة الى افريقيا ارتفع بمقدار (490) مليون دولار ليصل الى (708) مليار دولار العام الماضي. خلاصة القول نجد ان الشراكة الصينية في افريقيا انها تعمل على ان يكون قولها مقروناً بالعمل ونتجنب الوعود فقط التي تطلقها العديد من الدول الغربية (الاستعمار القديم). كما ان الشراكة الصينية الافريقية لا تعتمد فقط علىالبعد السياسي او المنفعة الاقتصادية مع افريقيا بل تتعداها كما قلنا الى شتى المساعدات والدعم للدول الافريقية، وينبع ذلك من احساس الصين بأن لها منافسين اشداء في افريقيا فبالتالي تحاول ان تجذب اليها الافارقة بقدر المستطاع. وفي ضوء ما سبق استطيع أن اقول بكل تأكيد ان (المارد) الصيني قد وضع قدمه في القارة السمراء وهو ما يهدد التفوق الثقافي الغربي التقليدي في دول القارة والتي يعرف عنها انها متفتحة ثقافياً منذ زمن بعيد الى (انجلوفون) و(فرانكوفون) لذلك فان افريقيا ستتكلم افريقياً صينياً.