تسارعت الأحداث بشكل مفاجئ على الساحة اليمنية. ففي الوقت الذي كان الجميع ينتظر انفراجاً وشيكاً بعد الاتفاق على إطلاق سراح مدير مكتب رئاسة الجمهورية، أحمد عوض بن مبارك، المختطف من قبل الحوثيين، وعودة الأحزاب والتيارات السياسية في اليمن إلى طاولة المفاوضات وتنفيذ نتائج وتوصيات الحوار الوطني ومشروع السلم والشراكة، يدير تنظيم "أنصار الله" الحوثي ظهره لذلك ويتجه نحو التصعيد وفرض سياسة الأمر الواقع مستغلاً ضعف السلطة على المستويين السياسي والأمني ويعمد إلى السيطرة على دار الرئاسة ومحاصرة الرئيس في منزله وإطلاق النار على سيارة وزير الدفاع علاوة على نهب مستودعات الجيش. هنا يقفز إلى الذهن سؤال الأسباب والدوافع التي جعلت الحركة الحوثية تتملص من الاتفاق وتتجه نحو التصعيد؟ بداية، لا شك أن ما يحدث في اليمن منذ 21 سبتمبر 2014م، هو ائتلاف واضح بين حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وحزب أنصار الله بزعامة عبدالملك الحوثي. يسعى المؤتمر الشعبي إلى استخدام أنصار الله للعودة إلى السلطة وتحاول الحركة الحوثية إلى استغلال المؤتمر الشعبي كقوة داعمة من مكونات المجتمع اليمني من خارج التنظيم وبالتالي الزعم بأن ما يحدث في اليمن هي ثورة شعبية مدعومة من عدة أطراف وأحزاب يمنية ونفي شبهة الانقلاب على السلطة عن التنظيم. لكن هذا ليس كل شيء بطبيعة الحال. هناك عنصر خارجي يلعب دوراً بارزاً في تطور الأحداث على الساحة اليمنية، نحن نتحدث بطبيعة الحال عن الدور الإيراني، الداعم القوي للحركة الحوثية. لن نتحدث عن العلاقة القوية بين الجانبين فذلك تكرار لا يخفى على علم القارئ الكريم واطلاعه. لنتذكر أن إيران تعيش حالة من الضغوطات الاقتصادية والسياسية وتسعى إلى الخروج من عنق الزجاجة من خلال الاستماتة للوصول إلى اتفاق مع القوى الدولية بشأن برنامج طهران النووي. الضربة الأخرى التي تلقتها طهران تتمثل في الهبوط الحاد في أسعار النفط الذي يشكل بين 80-85% من الدخل القومي الإيراني وبالتالي المزيد من الصعوبات الاقتصادية. هذه الصعوبات الاقتصادية سوف تنعكس ولا شك على أذرع إيران العسكرية والمليشيات التابعة لها في المنطقة. هنا، نتساءل هل أبلغت إيران الحركة الحوثية وربما حزب الله اللبناني أيضاً بوقف الدعم المالي أو خفضه بشكل كبير بسبب العبء المالي الكبير الذي تشكله على طهران؟ جزء من الإجابة تناقلته وسائل الإعلام قبل أسابيع حيث تحدثت عن قلق زعيم حزب الله اللبناني من قرار إيران تقليص الدعم المالي للحزب للأسباب المذكورة آنفاً. الجزء الآخر من الإجابة نستنبطه من الكلمة المتلفزة الأخيرة لعبدالملك الحوثي. ركز الزعيم الحوثي في كلمته على الوضع في مأرب وكيف أن من أهم أهداف هذه التحركات التي قامت بها مليشياته في العاصمة هو بسبب رفض الرئيس بتوجيه ضربة لمحافظة مأرب واستهدافها بالطيران الحربي حيث تنشط، على حد زعمه، جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة. هذه المزاعم تم نفيها بشكل متكرر من قبل زعماء القبائل ووجهاء المنطقة. تشكل مأرب أهمية كبرى للتنظيم بصفتها العاصمة الاقتصادية لليمن ولأنها منطقة غنية بالنفط والغاز، حيث يصدر منها النفط عبر خط صافر- رأس عيسى على البحر الأحمر، والغاز إلى منشأة على بحر العرب ويوجد بها مصفاة مأرب، كما أنها تمد كامل البلاد بالطاقة والكهرباء من محطة مأرب الغازية للكهرباء. بعبارة أخرى، على نمط تنظيم داعش في العراق، تسعى الحركة الحوثية إلى السيطرة على حقول النفط والغاز لتأمين حاجتهم المالية متى ما قامت طهران بإيقاف أو تقليص الدعم المالي أو قامت الدول المانحة تعليق المعونات المالية لليمن في ظل الفراغ السياسي الذي تشهده البلاد. من هنا من المتوقع أن الحوثيين يخططون حالياً لاجتياح مأرب ووضع أيديهم على مصادر الطاقة في البلاد، إلا أن ذلك قد يقود البلاد نحو حرب أهلية طاحنة وتحول اليمن إلى نموذج آخر من الصومال، الأمر الذي يشكل تهديداً حقيقياً لدول الجوار وفي مقدمة ذلك المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان. أما الجانب الآخر للدور الإيراني في التطورات على الساحة اليمنية فيكمن في هروب إيران من المواجهة مع اسرائيل بعد اغتيال الجنرال محمد علي الله دادي الذي قتل في هجوم لمروحيات إسرائيلية في منطقة القنيطرة السورية وذهب ضحيته عدة قيادات في حزب الله اللبناني. كما تم الإشارة أعلاه، تقاتل إيران من أجل التوصل إلى اتفاق مع القوى العظمى وتدرك أن أي رد تقوم به ضد إسرائيل قد يعرقل سير المفاوضات ومن هنا حركت طهران الحركة الحوثية للفت الأنظار نحو اليمن ويتراجع التركيز على عملية القنيطرة وقد تحقق ذلك فعلاً، على المستوى الإعلامي على أقل تقدير. بعبارة أكثر وضوحاً، دعمت إيران خلال الفترة الماضية الحركة الحوثية للسيطرة على اليمن والاقتراب من مضيق باب المندب الاستراتيجي ويبدو أن المخطط كان يسير في الاتجاه المرسوم له ولكن ببطء وبشكل تدريجي إلا أن الأحداث على الساحة السورية اضطرت إيران إلى دفع الحركة الحوثية سريعاً نحو الهدف الرئيسي. ماذا عن الموقف الخليجي؟ ليس لدى الدول الخليجية خيارات كثيرة في التعامل مع الحالة اليمنية الراهنة. بعد سيطرة الحركة الحوثية على كافة مفاصل السلطة والمراكز الحساسة في البلاد أصبح الحل ربما الأوحد يكمن في إحياء المبادرة الخليجية بدعم من الأممالمتحدة وربما يحتاج الأمر إلى إجراء بعض التعديلات عليها أيضاً. الخيار العسكري غير مطروح اطلاقاً لأن دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية لا يمكن أن تدخل في المستنقع اليمني. الحل المبدئي والعاجل قد يتمثل في دعم شيوخ قبائل المناهضين للحوثيين خاصة في محافظات شرق اليمن وجنوبه وعدم السماح للحركة الحوثية بالسيطرة مطلقاً على مدينة مأرب، تعليق كافة المساعدات والمنح المالية والتسهيلات الاقتصادية للحكومة اليمنية لإفشال الحركة الحوثية وتعريتها أمام الشعب اليمني. * باحث ومختص في الشؤون الإيرانية