كل الكوارث تحمل في طياتها الدروس التي كتبت بالتضحيات والدماء. على خلفية الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية طالع موقع الدايلي بوست قراءه في مقال للكاتب السياسي الأمريكي دين عبيدالله في عنوان مثير "98% من جرائم الإرهاب في أوروبا و94% في أمريكا منفذوها ليسوا مسلمين. كم مرة سمعت فيها جملة: "ليس كل المسلمين إرهابيين، ولكن كل الإرهابيين مسلمون؟" بكل تأكيد، سمعنا بريان كيلمياد وهو يقولها على فوكس نيوز، ولكن بالنسبة لي، كان ذلك مجرد جزء من خطة هذه القناة التلفزيونية لجعل مشاهديها أغبى، وهذه الخطة توضحت أكثر في نهاية الأسبوع الماضي عندما رأينا "خبيرها" في شؤون الإرهاب، ستيف إميرسون، وهو يختلق قصة بأنه يُحظر على غير المسلمين دخول مدينة برمنغهام في إنجلترا. وغالباً ما يتبع هذه العبارة السؤال التالي: لماذا لا نرى إرهابيين مسيحيين أو بوذيين أو يهودا؟ بالطبع، هناك أناس يرون أنفسهم كمسلمين مخلصين ويقومون بارتكاب أفعال رهيبة باسم الإسلام، ونحن المسلمين بإمكاننا مناقشة هذا من خلال القول بأن أفعالهم لا تستند إلى أي جزء من الإيمان الخاص بنا، بل إلى أجندة سياسية، ولكنهم مسلمون، ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك. ورغم ذلك، وما قد يتسبب بالصدمة للكثيرين، فإن الغالبية الساحقة من أولئك الذين ارتكبوا الهجمات الإرهابية في الولاياتالمتحدة وأوروبا ليسوا مسلمين، وهذا ليس خطؤك إذا لم تكن على علم بهذه الحقيقة، بل يمكنك إلقاء اللوم في ذلك على وسائل الإعلام وفشل الإعلام السائد! إن حصر معنى الإرهاب بالجماعات الإسلامية فقط لا يمكنه أن يحل الأزمة الفكرية المتطرفة الضاربة في أعماقها بأوروبا، بل الذي يحلّ هذه المشكلة أن يلتفت الخبراء إلى الإرهاب الذي ينتجه اليمين المتطرف الذي شهدت أوروبا صعوده وشعبيته خلال العقد الماضي. منذ 11 سبتمبر والكثير من الدول العربية والإسلامية تأخذ احتياطاتها الأمنية لمواجهة الإرهاب الذي تسببه خلايا تنتمي للجماعات الأصولية الإسلامية، ولم تجد الدول الإسلامية حرجاً من الحديث عن الإرهاب وتنظيم مسار مكافحته، وإذا كانت النرويج وسواها من الدول التي تخشى من عمليات الإرهاب اليميني، ومن عملياتٍ يقودها شبان أصوليون مسيحيون، فإن عليها أن تبدأ مرحلة الإقرار بأن الإرهاب لا دين له، فالإرهاب عرفتْه أوروبا منذ القرن الثامن عشر في فرنسا في حقبة الثورة الممتدة ما بين 1798-1799 والتي يصفها المؤرخون ب"فترة الرعب" فإذا اعترفت الدول التي تخاف من صعود الخلايا الأصولية في أوربا بأن الإرهاب ظاهرة متطرفة تتصل بالفهم المتطرف للمفاهيم الدينية فإن هذه هي البداية الفعلية لصناعة حصونٍ منيعة. إن الخلايا اليمينية التي تخطط لاستهدافٍ عنصري عرقي للآخر لا يمكن أن تقاوم إلا بوضع منظومةٍ كاملة لمكافحة الإرهاب اليميني في أوروبا، كما فعلت الدول الإسلامية حين كافحت الإرهاب واعترفت بوجوده، وضربت بيدٍ من حديد. إن الإرهاب نتاج فهم متطرف للدين، وليس نتاجاً لتعاليم دينٍ محدد، هذا هو الدرس على سبيل المثال الذي علمتنا إياه كارثة تفجير"أوكلاهوما" في 19 (نيسان) أبريل 1995 والتي نفذها الشاب: ''تيموثي ماكفي'' الأصولي اليميني والتي أودت بحياة 186 أميركياً، وكارثة تفجيرات "أوسلو" و"يوتويا" في النرويج والتي قتلت 76 شخصاً في 22 (تموز) يوليو 2011.