ما زالت الذاكرة حية بأشهر مقولات تنظيم القاعدة في أوج أعمالها الإرهابية: «أخرجوهم من جزيرة العرب» أي غير المسلمين. حسناً، هناك الآن من يقول: «أخرجوهم من أوروبا»، أي المسلمين!، فهذا ما كتبه «مفجر» النرويج في موقعه على الإنترنت، وذلك بعد أن صمم رسماً تخيُّلياً لمسلم ذي لحية كثّة ومُعمم يخترق خارطة أوروبا وهو يحتضن بندقية ضخمة!. بعد الأعمال الإرهابية الأخيرة في النرويج، عادت بي الذاكرة على الفور إلى بداية التسعينيات وإلى تفجير أوكلاهوما تحديداً. حينها - وقد كنت في الولاياتالمتحدة - عانى المسلمون الأمرّين لبعض الوقت من جراء اتهام تنظيم القاعدة والمسلمين من اللحظة الأولى للتفجير، وقبل حتى أن تنطفئ نيران الحرائق، وذلك قبل أن يتبين الأمر في ضحى الغد بأن من قام بالتفجير لم يكن سوى «تيموثي مكفي» ومجموعة من المتطرفين المسيحيين من البيض الناقمين على الحكومة المركزية في واشنطن، والتي باعتقادهم ذهبت بعيداً في سياساتها المتسامحة!. التاريخ أعاد نفسه بعد أحداث النرويج، فقد أصر المحللون السياسيون الغربيون من كل الأطياف الفكرية على تورط تنظيم القاعدة منذ اللحظة الأولى للتفجير، وحاولوا الربط بين التفجير ووجود قوات نرويجية في أفغانستان. أيضاً هناك من قال إنه ربما «القذافي»، فهو قد هدد كل الدول التي تشارك في التحالف الدولي ضده. الخلاصة أنه لم يتحدث محلل واحد عن إمكانية أن يكون من قام بهذا العمل أي أحد غير القاعدة والعرب الإرهابيين!. المثير للدهشة أنه - وبعد أن بدأت التسريبات تشير إلى أن من قام بالعمل الإرهابي لم يكن سوى رجل نرويجي مسيحي متطرف أشقر الشعر وأزرق العينين -، قال بعض أباطرة المحللين: «ربما أن من ضمن تكتيكات تنظيم القاعدة الجديدة استقطاب أشخاص لا يمكن توقع قيامهم بأعمال إرهابية!»، ثم وصلت العبقرية مداها بقولهم: «إن الخيار الأمثل في هذه الحالة هو اختيار شخص مسيحي كامل المواصفات الغربية ليقوم بالمهمة!». ومع ذلك فقد خيَّب الإرهابي السيد «برفك» ظن كل المحللين، إذ اعترف بأنه هو وحده من قام بهذا العمل الإرهابي ليبدأ ثورة «أوروبا» ضد الأجانب عموماً والمسلمين على وجه الخصوص، ولتكون بعدها «أوروبا» مسيحية خالصة نقية كما كانت في سابق الأزمان أيام الحروب الصليبية!. ) ) ) في شأن متصل، لعلكم تتذكرون أحداث سبتمبر وما أعقبها، حيث تم التشنيع حينها بالإسلام كدين وتم ربطه بالإرهاب، كما تم التشنيع بأسرة بن لادن تحديداً، وبالمناهج التعليمية وغير ذلك كثير. هذه المرة لم يتحدث أحد عن «المسيحية» كدين، ولم يتم التطرق لعائلة هذا «الإرهابي» على الإطلاق!، بل تم عزله تماماً عن المسيحية كدين - رغم إعلانه على الإنترنت بأنه «مسيحي متطرف» -، وتم وصفه بأنه ينتمي إلى الجماعات المتشددة في عموم العالم الغربي!. أما ما هي ماهية هذه الجماعات المتشددة، فهذا شأن آخر!، وهذه ازدواجية غريبة تجعلك تتوقف أمام «حيادية» الإعلام الغربي. في المحصلة النهائية كان هناك محلل واقعي واحد قال: «إن سبب قيام هذا العمل الإرهابي في واحدة من أرقى دول العالم وأكثرها أماناً هو أننا ركزنا خلال السنوات الماضية على تنظيم القاعدة، ونسينا الجماعات المتطرفة لدينا، رغم علمنا بمدى خطورتها»، ثم أضاف: «لقد حان الوقت لأن نعمل بجد على مكافحة الإرهاب بنسخته الغربية!» وختاماً، الآن، وبعد أن تأكد العالم أن الإرهاب - كما كنا نقول دوماً - لا دين له، فهل سيستطيع المسلمون أن يستثمروا هذا الحدث للتذكير بأن تنظيم القاعدة لا علاقة له ب «الإسلام المعتدل»، مثلما أنه لا علاقة لإرهابي النرويج «برفك» بالمسيحية المعتدلة؟!. أيضاً، نتمنى أن يتوقف كثير من المسلمين الذين يعيشون في الغرب عن استفزاز الشعوب التي أكرمتهم من خلال بعض تصرفاتهم أو تصريحاتهم غير المسؤولة؟، نتمنى ذلك. فاصلة: «الإرهاب لا دين له».