نحمد الله أن من قام بعملية التفجير في مدينة أوسلو النرويجية، ومن ارتكب المجزرة الوحشية الشنيعة في مجموعة من شباب الحزب الحاكم النرويجي في جزيرة «يوتوييا» هو يميني مسيحي نرويجي متطرف من أصول نرويجية (جرمانية إسكندنافية). الدين هنا، ومن ثم العرق يؤكدان على أن العملية الإرهابية تلك، التي أودت بحياة أكثر من تسعين بريئا، كما وجرحت عددا يقارب ذلك العدد، كان من المؤكد أن تكون نتائجها ومردوداتها خطيرة وسلبية أكثر وأعمق على المسلمين فيما لو كان من ارتكبها ممن يدعون الإسلام دينا، أو ممن يدعون أنهم من العرب. كما ويجب أن نحمد الله على أن الإرهابي «أندرس بيرينغ برييفيك» لم يرتكب تلك المجازر الوحشية ضد أي من الجاليات المسلمة التي تعيش في بلاد النرويج. فكما هو واضح من منطق الإرهابي النرويجي المسيحي المتطرف أنه بعمليته الإرهابية تلك كان يهدف إلى وقف المد الإسلامي وتحرير بلاده وقارة أوروبا من المسلمين والشيوعيين. العملية الإرهابية تلك لم تكن متوقعة بأي معيار من المعايير الأمنية النرويجية، فالدول الإسكندنافية الثلاث «النرويج، والسويد، والدينمرك» كانت تعتقد أنها في منأى عن التطرف الفكري، بل وفي مأمن من سطوات موجة الإرهاب الإقليمي أو العالمي. لذلك لم تكن الإجراءات الأمنية مشددة في مختلف أنحاء تلك البلاد كما هو الحال في بقية الدول الأوروبية. نعم يحق لتلك الدول الإسكندنافية ذلك التفكير فهم بالفعل شعوب متقدمة ومتمدنة، كانت وحتى القرن التاسع الميلادي تعتبر شعوبا همجية متوحشة (البرابرة أو الفايكينج)، لكنها وصلت إلى ما وصلت إليه من مدنية وحضارة وتقدم ورقي بعد قرون طويلة من الحراك الاجتماعي والسياسي الذي نفض ومن ثم أزاح عنها بيئة الوحشية، وأحل محلها بيئة التمدن. من هنا كانت العيون والآذان وأجهزة التنصت والتجسس والتتبع الأمنية النرويجية والأوروبية والعالمية موجهة ومركزة على المسلمين عامة والعرب خاصة. تبعا لذلك جاءت العملية الإرهابية من الداخل، من عقر الدار، ومن يميني أصولي مسيحي متطرف لا يمكن أن يرقى الشك إلى دينه أو عرقيته. الحقيقة المرة هذه تؤكد مرة أخرى أن منطق الإرهاب وسلوكياته الوحشية ليس حكرا على دين أو عرق أو ثقافة معينة، وإنما هو ظاهرة إنسانية عابرة للدول والقارات، وفكر إنساني مضطرب يسكن العقول التي تتطرف إلى أقصى اليمين تماما كما هو حال واقعه في تلك العقول التي تتطرف إلى أقصى اليسار. الارهابي النرويجي الكاره للإسلام والمسلمين خطط باتقان لارتكاب العملية الإرهابية منذ عدة شهور في اعتقاد منه أنها ضرورية لوقف التعددية الثقافية في بلاده، وستحظى بدعم اليمين النرويجي والأوروبي المتطرف. هنا تحديدا الأسابيع بل والأشهر القادمة ستكشف عن حقيقة الدعم اليميني المسيحي المتطرف لما قام به «برييفيك» من مجزرة وحشية ضد المدنيين البرياء. بيد أن اليمين النرويجي المتطرف تنصل مما قام به الإرهابي «برييفيك» بل وأدان العملية الإرهابية واعتبرها منافية لمعتقداته وسياساته وأفعاله خصوصا بعد أن شهدت البلاد النرويجية ثورة عارمة من الإستنكار والشجب والإدانة في الرأي العام النرويجي والأوروبي، بل وحتى الرأي العام العالمي تجاه ذلك الحدث الأليم. دولة النرويج أعلنت الحداد على الماساة الوطنية التي أصابتها على حين غرة، والدول الأوروبية أعلنت استنفارها الأمني التام لمنع وقوع مثل تلك العملية على أراضيها، كيف لا وفكر اليمين المسيحي المتطرف حيا يرزق بل وينتشر في نفوس أعداد كبيرة من الشباب وغير الشباب. هذا الفكر الإنساني اليميني المتطرف سواء كان مسيحيا أو يهوديا أو حتى إسلاميا لا يمكن له أن يحظى بدعم الشعوب، بل ويستحيل أن يتقبله عقل إنسان عاقل واعي يؤمن بالأمن والاستقرار ويحلم بالعيش بسلام في أي بيئة جغرافية إنسانية. عطفا على ذلك فإن العالم كله يجب أن يحرص على نزع بذور التطرف اليميني من عقول الشباب في جميع مراحل حياتهم الإنسانية بمختلف الوسائل والأساليب التي تكرس مبدأ ومنطق الوسطية والاعتدال في الفكر وبالتالي تنعكس على السلوك.