من المعروف أن صناديق الثروة السيادية عبارة عن صناديق مكلفة بإدارة الثروات والاحتياطات المالية للحكومات التي تملك مدخرات تسعى إلى المحافظة عليها من ناحية وتعظيم عوائدها من ناحية أخرى أي أنها هي الذراع الاستثمارية في دول الفوائض المالية. ولذلك اهتمت الدول المختلفة بهذا الجانب وأعطته أهمية خاصة. كما أن تعدد الصناديق السيادية وتنوعها للدولة الواحدة أصبح عليه إقبال كبير من قبل بعض الدول الحريصة على عدم وضع البيض في سلة واحدة وخير مثل على ذلك الصين التي تملك أربعة صناديق سيادية هي شركة الصين للاستثمار ومحفظة الاستثمار التابعة لمؤسسة النقد في هونغ كونغ والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وشركة سيف للاستثمار ومثل أمريكا التي تملك ثلاثة صناديق استثمارية والإمارات التي تملك صندوقين استثماريين وهذا أسلوب تحوطي ممتاز لأنه يقلل المخاطر ويعطي فرصاً أكبر لتعظيم الفوائد على الثروات المستثمرة. كما أنها تعد محركاً استراتيجياً نحو التأثير القوي عالمياً عبر التكتلات المالية العالمية. نعم إن الصناديق الاستثمارية مهما اختلفت مسمياتها فهي صناديق ذات أهداف تحوطية تدار بانضباطية عالية أي أنها تنشأ من أجل المحافظة على الثروة الفائضة من أجل الركون إليها في المستقبل أو عند الحاجة الماسة ولذلك يجب أن لا تسعى إلى الدخول في استثمارات عالية المخاطر من أجل الحصول على عائد أعلى فهي ملك للشعب وليست ملكاً لمغامرين يطبقون المثل القائل "جلد ما هو جلدك جره على الحجر" وذلك كما يفعل بعض المضاربين بأموال الآخرين والتي كانت النتيجة ضياع مدخراتهم. هذا من ناحية ومن ناحية ثانية أصبح الاستثمار الخارجي في هذه الأيام غير آمن كما كان في الماضي ولذلك فإن الحذر والتروي والتقصي يجب أن يكون سمة الاستثمار الخارجي وهذا لا يعني عدم الاستثمار في الخارج ولكن المقصود تنويع الاستثمار من ناحية وتوسيع قاعدته من ناحية ثانية واستثمار الحد الأدنى في كل شركة أو مؤسسة مالية من ناحية ثالثة وذلك لمنع استهداف هذا الاستثمار أو ذلك خصوصاً أن العين على الثروات الخليجية أصبحت أوسع وأكثر تركيزاً لأن مجموع أصول الصناديق السيادية لكل من المملكة والإمارات والكويت تشكل وحدها فقط ما يصل إلى (50%) من مجمل الصناديق السيادية في مختلف أنحاء العالم ولا أدل على هذا الاستهداف من أن هناك حراكاً وتبرماً من تنامي الثروات العربية واحتمالات تأثيرها ولذلك يتم العمل على وضع برامج سرية وإيجاد وسائل متعددة للاستحواذ عليها أو تجميدها أو استنزافها اما من خلال الازمات المالية الحادة كما حدث عام (2008)، والتي لا زالت سحبها متراكمة وعلى الأخص أزمة الدين الأمريكي الذي وصل إلى ما يقارب (17) تريليون دولار والذي أصبح مشكلة مؤجلة يمكن أن تنفجر قهراً أو عمداً متى حانت الفرصة المناسبة، وذلك بوسائل وأساليب ذكية وفق مبررات تناسب حينها. أو من خلال افتعال الحروب أو نشر الإرهاب وتوسيع قاعدته ومن ثم محاربته أو إعلان الإفلاس أو تحريض الحروب الأهلية كما هو حادث في العراق وسورية وليبيا والعمل جار على استهداف الآخرين أو بتلك العوامل مجتمعة. وإذا عدنا إلى المملكة نجد أنها تصدرت المركز الثالث عالمياً بحجم الصناديق السيادية بعد أن كانت تحتل المركز الرابع وحلت الثانية عربياً بعد أن كانت الثالثة. كما أنها احتلت المركز الثالث عالمياً بحجم الصناديق السيادية ممثلة باستثمارات مؤسسة النقد (ساما) وذلك وفق تصنيف المعهد العالمي لصناديق الثروات السيادية. هذا وقد توقع المعهد أن يحدث تغير في قائمة أكبر الصناديق السيادية حول العالم خلال عام (2015) وذلك نتيجة التغيرات التي حدثت في أسعار النفط. هذا وقد أشار المعهد إلى أن استثمارات مؤسسة النقد العربي السعودي قد ارتفعت خلال (2014) إلى (7376) مليار دولار. نعم إن الصناديق السيادية إحدى وسائل تعدد مصادر الدخل ولذلك فإنه من الحكمة أن لا يتم الاعتماد على صندوق سيادي واحد أو اثنين بل لا بد من أن يتم امتلاك عدد من الصناديق الاستثمارية والتي تمتلك المملكة أربعة منها هي: مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) وهي الصندوق السيادي الرئيسي تحت مظلة الدولة ورقابتها. صندوق الاستثمارات العامة. صندوق معاشات التقاعد. صندوق التأمينات الاجتماعية. وعليه لا بد من تعزيز هذه الصناديق الاستثمارية وجعلها أقوى وأقدر باستثماراتها الداخلية والخارجية وليس إيجاد بديل عنها بل يمكن إنشاء المزيد منها لأن هذا هو الأصح والأحوط والآمن والأفيد ليس هذا وحسب بل يجب دعم ذلك من خلال إنشاء شركات استثمارية وصناعية تملك الدولة (من خلال صناديقها السيادية) في كل منها نصيب الأسد لأن هذا هو الأجدى والأنفع وذلك على غرار شركات سابك والاتصالات السعودية وشركة معادن وبنك الإنماء وبنك الرياض وغيرها من البنوك والشركات الاستثمارية التي لكل منها أذرعة استثمارية داخلية وخارجية. إن الحذر كل الحذر أن يتم إنشاء صندوق سيادي واحد بديلاً لتلك الصناديق القائمة لأن مثل هذا الأسلوب يعد مخاطرة كبرى ولنا عبرة ودرس في شركات وبنوك كبرى انهارت بين عشية وضحاها في الدول المتقدمة نتيجة لأزمة الرهن العقاري في أمريكا عام (2008) وتداعياتها وذهبت نتيجة لذلك أموال الناس ومدخراتهم أدراج الرياح حتى وإن تحمل الصندوق الفدرالي للتأمين بعضاً منها. فما بالك إذا تفاقمت أزمة الدين الأمريكي فما هو مصير الاستثمارات الضخمة في أوراق الخزينة الأمريكية وغيرها. أما على المستوى المحلي فإن إحدى شركات الاتصالات كانت ذات سمعة كبيرة ومع ذلك لم تنجُ من الأخطاء التي أدت إلى انهيار أسهمها من (96) ريالاً قبل أربعة أشهر إلى أقل من (50) ريالاً حالياً. ناهيك عن بعض الشركات المحلية التي يصل رأس مالها إلى عشرات المليارات ولم تحقق عوائد البتة أو ذات عوائد متواضعة جداً لا ترقى إلى مستوى رأس المال المستثمر على الرغم من مرور زمن طويل على إنشائها ليس هذا وحسب بل إن هناك شركات فرصها الاستثمارية جلية ومع ذلك تتراكم خسائرها بينما مثيلاتها تحقق نتائج ممتازة. وهذا يدعونا إلى أن نقول فتش عن الإدارة والأمانة. أما مخاطر الاستثمار الخارجي فإنها تتمثل في عملية تجميد الأموال بسبب الخلافات السياسية أو بالأصح عدم الرضوخ للضغوط ناهيك عن اللجوء إلى تهمة الإرهاب الجاهزة والتي يمكن أن تلصق بالإفراد والمؤسسات والدول وحتى الاستثمارات إذا لزم الأمر. كل ذلك يعني أن الصندوق السيادي الواحد لا يمكن الركون إليه لأنه عرضة للخطأ الإداري أو الأزمات المالية أو الفساد المالي والإداري. أما تعدد الصناديق السيادية فإنها آمن وأحوط فإذا ارتكب أحدها خطأ فإن المصيبة تكون أهون لأن هذا سوف يطول جزءاً من رأس المال وليس مجمله. إن أمان الاستثمار الخارجي نسبي ولهذا نستطيع أن نقول إن أمان الاستثمار في أمريكا لا زال مرهوناً بمقدرة أمريكا على حل مشكلة الدين الحكومي بصورة جذرية وليس من خلال تأجيلها حيث وصل ذلك الدين إلى (17) تريليون دولار بنسبة تصل إلى (104%) من الناتج المحلي الاجمالي هناك، ناهيك عن تحكم بعض اللوبيات بالقرار السيادي لبعض الدول العظمى. نعم الاستثمار يجب أن يعتمد عل عاملين رئيسيين هما التفاؤل والتشاؤم فلكل منهما موضعه، فالتشاؤم يقود إلى الحذر والتفاؤل يقود إلى الإقدام، والاثنان معاً يمنعان التهور والاستعجال. وعدم وضع البيض في سلة واحدة. وهذا الأسلوب يجب أن يتبع في كل الأمور المصيرية التي يترتب على التهاون فيها عواقب مصيرية وخيمة لا تحمد عقباها في جميع المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية وغيرها خصوصاً أن العالم لم يعد كالسابق يسير حسب النظم والقواعد المتعارف عليها، ذلك أن سنة الغاب بدأت تظهر بوادرها فالقوي يفرض إرادته على الضعيف بالقوة وخارج الإرادة الدولية إن لزم الأمر ناهيك عن أن المصالح وليست الحقوق والأخلاق والأعراف هي المسيطرة على المسرح. ولك أن تتخيل فداحة تلك التوجهات إذا كانت اللوبيات هي التي تدير دفة الصراع لصالحها بعيداً كل البعد عن مصالح الشعوب والدول وإراداتها، وبالتالي يتم استهداف الاستثمارات أسوة باستهداف الدول والشعوب بل إن استهداف الاستثمارات أكثر جاذبية لأنه أسهل وأربح. على أن الاستهداف لا يصبح مثمراً إذا كانت نسبة الاستثمار في القطاع الواحد منخفضة أي تتراوح ما بين (5-10%) أما إذا كانت نسبة الاستثمار في القطاع الواحد عالية فإن استهدافه يكون مغرياً خصوصاً إذا سعى الصندوق السيادي إلى تملك حصة مسيطرة في شركة استراتيجية في بلد آخر حيث يفتح مثل هذا الأسلوب أبواب عديدة للامتعاض وبالتالي العمل على الإجهاض تحت مبررات لا تحصى ولا تعد. وحتى تصبح الصناديق السيادية الوطنية أكثر فائدة يجب أن يتم: فرض قيود صارمة على السحب من الصندوق السيادي الرئيسي وكذلك الصناديق السيادية الأخرى لأن ذلك له أثر هام على نمو الإنفاق العام وهذا سوف يؤدي إلى عدد من الأمور الإيجابية التي يمكن أن نذكر منها: - تثبيت الميزانية العامة للدولة بحيث يتم التقيد ببنودها وعدم تجاوزها بأية حال من الأحوال. - جدولة المشروعات الحكومية وفق أولويات مدروسة ورصد المبالغ الخاصة بكل مشروع مقدماً وذلك منعاً للتأخير من ناحية ومنعاً للتعثر من ناحية أخرى وتفادياً للعجز من ناحية ثالثة. - منع تضخم السيولة المالية بسبب معدل نمو الإنفاق الحكومي المتسارع وهذا يمنع حدوث فقاعة في السوق المالية ويؤدي إلى استقرار نسبي في المستوى العام للأسعار وكذلك منع الارتفاع غير المبرر في أسعار العقارات التي أدت إلى أزمة السكن وتبرم الناس ومعاناتهم. هذا النوع من الضبط والربط سوف يكون له أبلغ الأثر على محاربة الفساد ومفرداته. ناهيك عن أن ذلك سوف يؤدي إلى تعاظم الثروة المستثمرة لدى تلك الصناديق وبالتالي زيادة عوائدها وتنوع استثماراتها. في ظل تلك القيود سوف ينحسر التوظيف في القطاع العام مما يعني أن القطاع الخاص يجب أن يتحمل مسؤولية فتح فرص عمل جديدة من خلال القيام بتوطين العمالة من ناحية وإنشاء مشاريع جديدة بمشاركة الدولة أو بصورة مستقلة من ناحية أخرى. وعلى العموم فإن الصناديق السيادية الوطنية لابد أن تقيم أداءها بصورة دورية بحيث تعظم الإيجابيات وتحد من السلبيات إن وجدت . كما أنها لا بد وأن تستفيد من تجارب الصناديق السيادية الناجحة والمحافظة من حيث الضبط والربط والتحوطات والتوازن والتنويع على قاعدة تلاقح الأفكار والخبرات.. والله المستعان.