سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
اقتصاديون ل"سبق": إنشاء صندوق "سيادي" سينمّي الاقتصاد ويساعد في أزمات المستقبل يعدّ داعماً للمشاريع وضابطاً للإنفاق والإيرادات ويحقق طموحات المواطن في التوظيف والإسكان
الصندوق السيادي السعودي هو الآلية الداعمة لأي مشروع اقتصادي متكامل يخدم الوطن والمواطن في ضبط الإنفاق والاستخدام الأمثل للإيرادات، بما يحقق طموحات المواطن السعودي في التوظيف والإسكان والخدمات وغيرها من الاحتياجات المستقبلية. فدون المحافظة على الموارد المالية للدولة وتنميتها لتكون مصدر دخل مستقلاً عن دخل البترول ورافداً له، فإنه سيكون من الصعب مستقبلاً تحقيق كثير من الطموحات والمتطلبات الضرورية بالكفاية المطلوبة.
وتحتلّ المملكة حالياً ثالث أكبر دولة غنية في العالم، وتسجّل احتياطات ضخمة كان لا بد من الاستفادة منها وتنميتها بطرق مقننة ومدروسة، حيث بلغ احتياطي المملكة، حسب مؤسسة النقد السعودي، ما يزيد على ثلاثة تريليونات ريال.
لكن القارئ للمشهد، ومن خلال تصريحات وزير المالية، يجد أن هناك تخوفاً من التغيير عن السياسة المالية الحالية للدولة، مع قناعة كبير من المحللين والرأي العام بضرورة وجود صندوق سيادي للمملكة.
واتفق كثير من المحللين على ضرورة إنشاء صندوق سيادي للدولة يخدم الاقتصاد الوطني وينميه، ويساعده على مواجهة الأزمات والصعوبات في المستقبل.
مؤسسة النقد أكد المحلل الاقتصادي محمد بن عمران أن الصندوق السيادي للمملكة غير موجود من الأساس، وكان وزير المالية واضحاً في تصريحاته السابقة أنه يودّ أن يكتفي بالوضع الحالي، حيث تكون مؤسسة النقد هي المعنية بالاستثمارات الخارجية للمملكة، وهي تمثل فكرة الصندوق السيادي.
وقال إن المشكلة أن وزارة المالية لا تدير أموال الدولة فقط، بل هناك عدة جهات حكومية أخرى، مثل: وزارة المالية، وصندوق الاستثمارات العامة، والمؤسسة العامة للتقاعد، أو التأمينات الاجتماعية، مع ملاحظة أن المؤسسة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية لا تملكها الدولة.
وأضاف أن وزارة المالية تدير استثماراتها؛ لذا فإنها شتتت جهودها بين جهات عدة؛ مما جعلها تُدخل نفسها في مهام ليست من واجباتها، وشتّتت قواها بين تلك الجهات.
وواصل أن "فكرة الصندوق السيادي للمملكة هي فكره قديمة، وليست وليدة اليوم، وقد سبقتنا بها دول كثيرة مثل الكويت وأبو ظبي والصين والنرويج وغيرها من الدول".
وتابع: "في الحقيقة لا بد من وجود صندوق سيادي عاجلاً أم آجلاً، خاصة أنك تشكل ثالث أكبر دولة في العالم من حيث الاحتياطات المالية، خاصة أن تلك الاحتياطات يتم الاستثمار بها في سندات تعطي دخلاً ثابتاً، وفي ظلّ انخفاض أسعار الفائدة لا تعطي هذه الاستثمارات مردوداً عالياً".
وشدد على أن "الصندوق السيادي أصبح ضرورة ملحّة، بل أصبح فرضاً في الوقت الحالي، وأعتقد أن الآن هو الوقت المناسب لاتخاذ مثل هذا القرار، واستثمار العقول الموجودة في المملكة العربية السعودية، خاصة في ظل توفر احتياطات كبيرة للمملكة، وفي الوقت نفسه مواجهة الأزمات في المستقبل؛ لأنه في ظل انخفاض أسعار البترول سوف نحقق عجزاً في الميزانيات القادمة، ونضطر إلى السحب من احتياطيات الدولة، وهو ما نخشاه، وبالتالي يتلاشى حلم إنشاء صندوق سيادي يخدم الدولة في المستقبل".
أمر مهم من جهته، ذهب المحلل الاقتصادي فضل بو العينين إلى أن "التركيز على الصندوق السيادي ودوره في توفير موارد موازية لتمويل الموازنة أمر مهم؛ ويفترض أن يكون من أولويات الحكومة؛ خاصة مع انخفاض أسعار النفط بشكل كبير، وانخفاض الإيرادات المالية، وهو ما أدى إلى حدوث عجز في ميزانية العام الماضي؛ وموازنة العالم الحالي".
وتابع: "إلا أن مناقشة الصندوق السيادي مع فرضية غيابه أمر غير دقيق؛ فالحكومة تدير احتياطياتها الخارجية وفق آلية الصناديق السيادية، إلا أن فلسفتها الاستثمارية ومعايير إدارتها للاحتياطيات تختلف في مضمونها عن بعض الصناديق السيادية الأخرى؛ لذا يمكن القول إن التركيز على الصندوق السيادي يجب أن يكون منصبّاً على العوائد الاستثمارية التي تحققها الاحتياطيات المالية بشكل عام لا على عدم وجود، وهناك فارق كبير بين الأمرين.
وأردف قائلاً: "من وجهة نظر خاصة أعتقد أن الفوائض المالية الحالية لم تتكوّن إلا خلال السبع سنوات الماضية، وهي برغم ضخامتها إلا أن ربطها في استثمارات خطرة يمكن أن يتسبب في إضعاف هدف الاستقرار المالي المستقبلي. ومع ذلك كان من المفترض أن تستثمر الحكومة جزءاً من فوائضها المالية في صندوق سيادي مستقل يعتمد على التنوع الاستثماري والجغرافي الذي يضمن توزيع الأصول وفق آلية تسهم في خفض المخاطر بشكل كبير بدلاً من تركيزها على السندات الأمريكية التي لا تخلو أيضاً من المخاطر برغم تصنيفها ضمن الاستثمارات متدنية المخاطر".
وتابع: "إضافة إلى ذلك يمكن للحكومة أن تستمر في سياستها الاستثمارية المحافِظة في إدارة الأموال الموجهة لتحقيق هدف الاستقرار المالي بعيداً عن المخاطر المرتفعة. ثم تستفيد من جزء من تلك الاحتياطيات لبناء قطاعات إنتاج جديدة بالشراكة مع القطاع الخاص؛ لتحقيق نمو القطاع الصناعي الذي يمكن من خلاله زيادة حجم الإنتاج المحلي، وبالتالي الصادرات، وخلق مزيد من الوظائف وتحقيق الاستدامة في التنمية الصناعية".
وقال: "على الرغم من أهمية رفع عوائد الاحتياطيات الحكومية إلا أن التحوط في إدارتها يفرض علينا التريث فيما يتعلق بالاستثمارات المتنوعة في أسواق المال بعد تضخمها وعدم وضوح الرؤية حيال الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعالم. التأخر في تكوينه يجب ألا يُقحمنا في مخاطر غير محسوبة. التركيز على تنويع الاقتصاد وبناء قطاعات إنتاج جديدة من خلال استثمار جزء من الاحتياطيات بات أكثر أهمية وإلحاحاً".
وبيّن أنه "يمكن من خلال الصناعة والاستثمار تحقيق التوازن المنشود في إيرادات الدولة، وزيادة معدلات النمو وتطوير المجتمع بأكمله، وأمثلة النجاح واضحة للعيان، نجدها في اليابان وكوريا الجنوبية؛ وبعض الدول الصناعية التي أسست لها قاعدة صناعية غزت من خلالها العالم، وهي أول الدول التي تستورد مجمل احتياجاتها النفطية، ومكونات صناعاتها الأساسية من الخارج".
الهدف النهائي وبيّن الدكتور عبدالوهاب أبو داهش أن "تزايد المطالبة بضرورة إنشاء صندوق سيادي يهدف إلى أن تجد الأجيال القادمة مالاً تستثمره للأجيال التي ستأتي بعدها، أو أن تجد مالاً يقيها العوز والفقر في حال نضوب النفط. فإذا كان هذا الهدف النهائي لمثل هذا الصندوق، فإنه يمكن الرد عليه بالقول إن كل ما تقوم به الحكومة الآن من استثمار في البنية التحتية والتعليم والصحة وإنشاء شركات ضخمة وعديدة في معظم القطاعات التي يحتاجها الاقتصاد المحلي وبدعم مباشر من الدولة هي جميعها تستهدف نماء واستمرار الخير والتنمية للأجيال القادمة".
وتابع: "هناك من يرى أن ذلك ليس الهدف، بل الهدف هو لتعظيم العوائد، حيث إن احتياطيات المملكة الحالية لا تحقق العوائد المفترض أن تحققها، ويعتقدون أن الصندوق السيادي سيحقق العوائد التي تبرر وجوده، ووجود استثمارات خارجية. وفي حقيقة الأمر أن إثبات مثل ذلك يبدو صعباً للغاية، فعوائد الاستثمار مرتبطة بالمخاطرة ومدة الاستثمار ونوع وطبيعة الأصول المستثمر فيها، وأن الهدف النهائي للصندوق هو ما يحدد طبيعة تلك الاستثمارات والعوائد المتوقعة منها. لذا فإن مسألة تحقيق عوائد أفضل لا تبرر وجود صندوق ما بقدر ماهية المخاطر والأهداف والمدد الاستثمارية التي يرغبها المستثمر. لذا فإن التركيز على موضوع العوائد للإقناع هي ورقة ضعيفة لتبرير وجود صندوق سيادي، وليس من الحكمة التحدث عن عوائد في حال لم يخدم الصندوق أو الاستثمار أهدافه النهائية".
وواصل أن "المشكلة كما أراها تكمن في غياب استراتيجية أو وثيقة واضحة و(معلنة) لإدارة الاستثمارات الحكومية. فقد يكون هناك استراتيجية أو وثيقة لم نطلع عليها، إلا أن المتتبع للاستثمارات الحكومية يجدها ممثلة في صندوق الاستثمارات العامة، ويملك استثمارات ضخمة في شركات محلية مثل "سابك" و"الاتصالات" و"الكهرباء" وبعض شركات الإسمنت، والتأمين، والبنوك، وغيرها من الشركات، وشركة "سنابل"، وكان من المفترض أن تستثمر خارجياً، إلا أن توجهها الحالي يبدو منافساً أو مكملاً لصندوق الاستثمارات العامة في الاستثمار في الشركات المحلية. ولا ندري إذا كانت "سنابل" قامت بأية استثمارات خارجية أم لا، بالإضافة إلى الاحتياطيات الرسمية للحكومة ولصناديق المعاشات والتقاعد، وهي تلك التي تستثمر في أصول خارجية من سندات وذهب وأوراق مالية أخرى".
وذكر: "مجمل هذه الاستثمارات قد يتجاوز 3.5 تريليون ريال وهي استثمارات تتجاوز إجمالي الناتج المحلي بنسبة 25%، ما يجعلها مصدر أمان واطمئنان إلى حد بعيد. ومع ذلك نحن نحتاج إلى وضوح أكثر في استراتيجية وأهداف إدارة هذه الاستثمارات؛ حتى نطمئن إلى أنها قادرة على خدمة الأجيال القادمة والتي يستهدفها الصندوق السيادي بالأساس، وبالتالي يزول اللبس ويزول تبرير مسألة المطالبة بالصندوق السيادي. ففي غياب استراتيجية واضحة سيظل الجدل قائماً في المطالبة بالصندوق السيادي لعدة اعتبارات؛ فالاعتبار الأول أن الصندوق السيادي سيكون بمعزل عن إدارة السياسة المالية والنقدية للبلاد، وبالتالي فهو لا يخضع لتقلبات العجز والفائض في موازنة الحكومة، ولا إلى حماية الريال السعودي في حال تقلب أسعار العملات، وسيركز فقط على الاستثمار الخارجي في أصول حقيقية مثل العقار والاستثمار المباشر في شركات التقنية والأدوية والشركات الطبية والشركات الزراعية والسيارات والمعدات والطائرات وغيرها من الشركات التي تحتاج المملكة لها ولخبراتها وتقنياتها، وبالتالي هو صندوق آخر مكمل ورافد وليس منافساً للاستثمارات الحكومية التي تطرقنا لها هنا. ويأتي في نفس الوقت للتنويع الاستثماري الذي تحتاجه المملكة جغرافياً وقطاعياً".
وواصل قائلاً: "قد يرى البعض أن هناك محاذير سيادية قد يواجهها الصندوق عند الاستثمار خارجياً. فقد ترى بعض الدول أن هذا استثمار حكومي سعودي، فتعمل على إعاقته بناء على مواقف سياسية وليست استثمارية. وقد حدث هذا عندما رغبت موانئ دبي في الاستثمار في الموانئ الأمريكية، فمنعت بحجة اختراق الموانئ الأمريكية خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر. والبديل كما يعتقد البعض هو تشجيع الشركات الحكومية مثل "سابك" و"الاتصالات" و"الكهرباء" في الاستثمار خارجياً والتنويع الجغرافي. لكن هذه الشركات تظل محدودة، وفي قطاعات قد لا نحتاج لأية تقنيات فيها، وفي نفس الوقت لم تنجح تلك الشركات ومنها "أرامكو" في تبني سياسات استثمارية خارجية ذات مردود مالي أو تقني حتى الآن".
وأكد في نهاية حديثه أنه "من المنطق في نهاية المطاف وجود صندوق، ويمكن تسميته سيادي أو ما شئنا من الأسماء في التركيز على الاستثمار خارجياً، وبمعزل عن تقلبات السياسات المالية والنقدية وبأهداف ومخاطر وإدارة تختلف عن الصناديق الحكومية الحالية. وهذا مبرر كافٍ لإنشاء هذا الصندوق، بل ومزيد من الصناديق الحكومية الأخرى لأهداف مختلفة ومتنوعة، كما هو الحال في إنشاء صندوق للاستثمار الزراعي مؤخراً كذراع استثماري لوزارة الزراعة".