حملت المؤشرات الاقتصادية والمالية الكثير من الانحرافات والاختلالات عن الخطط والاستراتيجيات التي تم وضعها خلال فترة ما قبل الأزمة المالية، وما اعتراها من عمليات التأجيل والإلغاء والتعديل لمواجهة كافة المستجدات في حينه، ولم يكن من السهولة بمكان القدرة على تحديد الأولويات الاستثمارية العادية والاستراتيجية في ظل ارتفاع مخاطر الاستثمار على كل شيء مع انحسار واضح على كافة الفرص الاستثمارية الممكنة في تلك الظروف، فيما بقيت الكلمة العليا للأرصدة النقدية الحرة غير المرهونة والتي شكلت قارب النجاة للكثير من الاستثمارات في ظل انعدام فرص التمويل وكان لها الدور الأكبر أيضا في إنقاذ الكثير من المؤسسات المالية حول العالم، ومع الدخول في حالة التعافي لدى الاقتصاد العالمي بشكل عام واقتصاديات دول المنطقة بشكل خاص، كل وفق درجة تأثره جراء الأزمة، كان للقدرة على توليد العوائد دون مزيد من الإنفاق والاستثمار الحل الأكثر جدوى للدخول في حالة من الارتداد والتعافي، كانت دول المنطقة في المقدمة اعتمادا على استمرار التدفقات النقدية الهائلة من عوائد النفط والغاز، ويمكن القول هنا أن دول المنطقة كانت الأسرع في الارتداد والتعافي والأقل تأثرا بجوهر الأزمة المالية وبالتالي استطاعت خلال الأزمة وما بعدها من جذب الاستثمارات على المستوى الإقليمي والأجنبي على كافة الأنشطة الاقتصادية. وأشار تقرير المزايا القابضة إلى أن اقتصاديات دول المنطقة أظهرت عددا قليلا من الأدوات الاستثمارية ذات الجودة المرتفعة، التي يمكن تصنيف الاستثمار بها ضمن القرارات الاستثمارية الاستراتيجية، ذلك أن الاستثمار غير المباشر لدى أسواق الأسهم على سبيل المثال لا يزال يندرج ضمن الاستثمارات الخطرة غير المستقرة والتي يحمل الاستثمار فيها احتمالات مرتفعة من الخسائر ولازالت الكثير من الجهات الاستثمارية تبقي أسواق الأسهم خارج تفضيلاتها الاستثمارية وبشكل خاص الصناديق الاستثمارية السيادية، ويعود ذلك إلى عدم الاستقرار المالي والسياسي والتحديات الكثيرة التي تعاني منها مشاريع التنمية الاقتصادية بالإضافة إلى ارتفاع حساسية أسواق الأسهم للمخاطر على اختلافها كنتيجة مباشرة لما يحدث لدى الأسواق الإقليمية والعالمية من تطورات يومية، في المقابل تشكل الفرص الاستثمارية الخاصة بقطاعات الطاقة أهمية استراتيجية للمحافظ والصناديق الاستثمارية الاستراتيجية، إلا أن الاستثمار لدى مكونات قطاع الطاقة بشقيها التقليدي والمتجدد لا تتناسب وطبيعة الاستثمارات التي تسعى الصناديق الاستثمارية للاستحواذ عليها نظرا لطول مدد الاستثمار وتوليد العوائد، بالإضافة إلى الصعوبات الخاصة بتقدير مستوى المخاطر المتوقعة وغير المتوقعة نتيجة ارتفاع حساسية القطاع تجاه التطورات الاقتصادية والسياسية والمناخية ...الخ. ويشير تقرير المزايا إلى أن القطاع العقاري بكافة منتجاته أصبح قادرا على الاستحواذ على حصص متزايدة من اهتمام المحافظ الاستثمارية والصناديق السيادية حول العالم، نظرا لتنوع أوجه الاستثمار ومعدلات النمو على العوائد التي يمكن تحقيقها، بالإضافة إلى الارتفاع المتواصل على قيم الأصول العقارية وتحسن مستوى التسييل، الأمر الذي يدفع بالأذرع الاستثمارية العالمية إلى رفع حصصها من الأصول العقارية في إطار سياسة التنويع التي تنتهجها خلال إدارة الاستثمارات والأصول حول العالم. ويقول المزايا أن محركات السوق العقارية لدى دول المنطقة وما تتمتع به من مقومات وفرص استثمارية متنوعة ومشاريع عقارية تجارية واستثمارية ضخمة حاليا وخلال الفترة القادمة، تجعل من القطاع العقاري احد الأولويات الاستراتيجية للأذرع الاستثمارية بكافة أنواعها والمحرك الأساسي للنمو على مستوى المنطقة، ويأتي ذلك في ظل التركيز على الأصول المدرة للدخل سواء كانت استثمارات في الديون أو الملكية، وفي السياق فقد بدا واضحا التطور الحاصل على الحلول التمويلية التي تدعم انجاز الصفقات العقارية لدى دول المنطقة بشكل خاص والتي تفتح المجال واسعا أمام تسجيل صفقات عقارية رابحة، ويؤكد تقرير المزايا على أن الاهتمام بالأسواق الخليجية والفرص الاستثمارية التي يفرزها النشاط الاقتصادي ليس جديدا، يأتي ذلك في ظل التغير النوعي والمتواصل للمناخ الاستثماري لدول المنطقة وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي المحقق خلال السنوات الثلاث الماضية وتجاوز الكثير من التحديات والعقبات، بالإضافة إلى السعي المتواصل لحكومات الدول لتطوير البنى الاقتصادية والتشريعية ورفع مستوى التنسيق والشراكة بين القطاع العام والخاص، الأمر الذي جعل من اقتصاديات هذه الدول في مقدمة الوجهات والخيارات الاستثمارية نظرا لانسجامها مع الاستراتيجيات الاستثمارية للمحافظ والصناديق الاستثمارية السيادية، ونظرا لحالة التعافي التي تسجلها اقتصاديات دول المنطقة وفي مقدمتها الأنشطة العقارية، فقد بدا واضحا قيام الأذرع الاستثمارية العالمية بتوسيع نطاق عملها الجغرافي باتجاه دول المنطقة لاقتناص الفرص الاستثمارية الضخمة والمتنوعة إلى تصاحب النمو الاقتصادي المتسارع، وبشكل خاص الاستثمار في تملك العقارات والأصول. واظهر تقرير المزايا حاجة القطاعات الاقتصادية لدى دول المنطقة إلى استثمارات محلية وخارجية نوعية ذات علاقة مباشرة من خلال إنشاء وتطوير مشاريع تنموية إنتاجية حقيقية وتعظيم مكانتها السوقية كاستثمارات متوسطة وطويلة الأجل تتمتع بآفاق نمو مرتفعة قبل أن يتم طرحها للبيع من قبل المؤسسات الاستثمارية بهوامش ربحية مستهدفة، الأمر الذي يعني إيجاد قيم اقتصادية محلية مضافة على أن تشمل هذه المشاريع القطاع الصناعي وتعزيز الصادرات والحد من الاستيراد وتوفير المزيد من فرص العمل ضمن القطاعات الإنتاجية والخدمية، وبما يضمن في المحصلة النهائية توليد فرص استثمارية نوعية، ومن المتوقع أن تقود حالة التعافي الحالية من جذب المزيد من الصناديق الاستثمارية تبعا للنمو الاقتصادي المسجل والذي يؤهل دول المنطقة للانتقال إلى مراحل متقدمة من النضج الاقتصادي وبما ينعكس إيجابا على أسواق الأسهم وأسواق العقارات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أسواق الأسهم قد أظهرت مستويات مرتفعة من التشبع على مستوى قيم السيولة المتداولة والأسعار السائدة، الأمر الذي يختلف كليا لدى القطاع العقاري والذي لا زال بحاجة إلى مزيد من السيولة والاستثمارات والتنويع على المنتجات العقارية في ظل الارتفاع المتواصل على كافة أنواع الطلب على المنتجات العقارية وفي ظل توقعات بان يتواصل الطلب على المدى المتوسط وطويل الأجل. ولفت تقرير المزايا إلى أن وجود عدد كبير من المؤسسات الاستثمارية العالمية لدى دول المنطقة لن يؤثر على جودة الأصول ومسارات أسعارها، يأتي ذلك نظرا لاستجابة اقتصاديات المنطقة لوجود حاجة متنامية للخدمات والمنتجات الاستثمارية المتخصصة، وبالتالي تزاحم اللاعبين المحليين والدوليين سيعزز الخبرات بالأسواق المحلية والإقليمية والقدرة على تلبية متطلبات المستثمرين بالاعتماد على وجود قاعدة واسعة من العملاء والمستثمرين في الوقت الحالي، وتشير المؤشرات الاقتصادية أن دول المنطقة ستشهد ارتفاعا على قيم الأصول الاستثمارية البديلة والصفقات الاستثمارية الرابحة واتساع للاستثمارات غير التقليدية سواء كانت على علاقة بتملك الشركات وتطويرها أم كانت على مستوى تملك العقارات والأصول والاستثمارات لدى قطاع التكنولوجيا. وأظهرت دراسة حديثة لشركة إدارة الأصول العالمية "انفيسكو" أن منطقة الشرق الأوسط تستقطب تخصيصات أصول استثمارية قوية ومتزايدة في حين اظهر استبيان الدراسة أن الصناديق السيادية بشكل عام وتلك التابعة لدول الشرق الأوسط بصفة خاصة تفضل الاستثمارات البديلة من خلال تخصيص المزيد من الأموال للأصول العقارية وأصول الشركات الخاصة، بالإضافة إلى تعزيز حصص جميع الفئات الرئيسية للاستثمارات البديلة في المحافظ الاستثمارية بما فيها الأصول العقارية وأصول الشركات الخاصة وشركات البنى التحتية خلال العام الحالي، وتظهر الدراسة أن الصناديق السيادية لدى دول الشرق الأوسط قد خصصت ما نسبته 83% من استثماراتها لأصول الشركات الخاصة خلال العام 2014 مقارنة ب60% خلال العام 2013 فيما خصصت ما نسبته 100% من تلك الاستثمارات في الأصول العقارية مقارنة ب67% في العام 2013، ويعكس ذلك نجاح الأسواق والمشاريع العقارية في تلبية متطلبات التحوط طويل الأجل وتلبية متطلبات تعظيم العوائد الرأسمالية وهذا ما يدفع الصناديق السيادية إلى تعديل آليات عملها باتجاه المزيد من التخصيص للأصول. وفي السياق فقد أشار جهاز أبوظبي للاستثمار انه متفائل باستثمارات البنية التحتية والاستثمارات البديلة في العام 2014، فيما يتجه الصندوق نحو تطوير فرقه المعنية بالاستثمار في القطاعات غير السائلة مثل العقارات والبنية التحتية والاستثمار المباشر. وشدد تقرير المزايا على ضرورة تعظيم دور الصناديق السيادية والمحافظ الاستثمارية لدعم مؤشرات النمو الاقتصادي لدى دول المنطقة وتحفيز المدخرات المحلية للتحول نحو تمويل الاستثمارات وبما ينعكس إيجابا على المناخ الاستثمار وعلى التقييم الائتماني وبما يعمل على رفع معدلات الاستثمار المحلي والأجنبي ويرفع من معدلات التشغيل والإنتاج، هذا وتحتاج أسواق المنطقة إلى صناديق استثمار في البنية التحتية لما لذلك من أهمية في رفع نسب النمو والتخفيف من الأعباء المالية المتراكمة على حكومات الدول، ويقول المزايا أن الارتفاع المتواصل على أسعار الأراضي وارتفاع قيم الأصول العقارية بكافة أنواعها ونقص المعرفة والخبرة في الاستثمارات وانحسار الفرص الاستثمارية المتاحة، تدفع بالاتجاه نحو توسيع قاعدة الاستثمار في الصناديق العقارية والتي ستعمل على تنشيط وتنظيم القطاع العقاري في المنطقة وتعزيز فرص استقطاب الاستثمارات العالمية خلال الفترة القادمة.