«الغيتو» اليهودي تحوّل من مجرد حي مغلق على اليهود إلى اغتصاب فلسطين لدرجة أصبح نفوذهم على بيوت المال والبنوك والإعلام والقضاء قوى تهدد أي سلطة محلية أن تذعن لمطالبهم، وهذا لم يأتِ بدون خطط عقول كبيرة حوّلت ضعفها إلى قوة في المهاجر العالمية.. الهنود حوّلوا وادي «السلكون» في أمريكا إلى مركز هائل في البرمجة فأصبحوا نجوماً عالميين، عاد بعضهم لبلادهم ليكونوا نموذجاً لدعم نفس التقنيات المتقدمة ودون تفريق بين دين أو مذهب وقومية وعرق، وآخر.. الصينيون عاشوا بعزلة عن المدن التي نزلوها لكنهم عرفوا كيف يتسللون إلى المراكز العلمية والتجارية وينشرون ثقافتهم وتقاليدهم وأطعمتهم وسط احترام من كل الشعوب ولم يتأثروا بصراعات سياسية رغم التباعد بين ثورتهم اليسارية، وعداء الغرب لها، والنماذج الأخرى كثيرة من جاليات آسيوية وأفريقية ولاتينية.. يبقى العرب والمسلمون لم يتأقلموا مع محيطهم في مدن العالم، وظل تأثير بلدانهم الأصلية عميقاً في وجدانهم وثقافتهم، وهذا جيد بمعيار التواصل مع الأصول والتراث والجنس لكن ذلك لا يأتي على حساب أمن وحياة وتقاليد وثقافات شعوب أخرى، والمؤسف أن نوعيات مهمشة أو رافضة للحياة بالغرب والاندماج به، هم العينات التي احترفت الإرهاب، ولذلك نرى تباعداً كبيراً بينهم، وخاصة الجماعات التي تذهب إلى حضور المناسبات الدينية والقومية، وغيرهما في بث روح الإخاء والعلاقات الإنسانية بدون أحكام مسبقة، وحتى توظيف التمازج الحضاري وتاريخه ومؤثراته بين الحضارتين الإسلامية والغربية، لا نجدها حاضرة بين أبناء تلك الجاليات ممن وصلوا إلى مراكز مرموقة بالجامعات وصناعة القرار والبحوث العلمية والإنسانية، وهي أخطاء تجاوزت في عمقها أن أصبح المسلم عنصراً مكروهاً أدت إلى نمو جبهات عنصرية تذهب إلى أن كل أزمات أوروبا الاقتصادية والبطالة وغيرهما ولعل صدمة العمل الإرهابي في باريس على مجلة «شارلي أبيدو» فجر الغضب العالمي بحيث أخرجت عناصر الإرهاب المقابل من المتطرفين بما سمي «بفوبيا الإسلام» لكن رد فعل المستشارة الألمانية (أنجيلا ميركل) أعطى النموذج التفاعلي الأجمل والأقوى عندما شاركت مع أعضاء حكومتها وكل رموز السلطة مع عناصر من الديانتين اليهودية والمسيحية مظاهرة المسلمين من أجل وحدة الوطن، وهي الخطوة التي أعطت زخماً جيداً أن تكون أكبر دولة أوروبية وقائدة القارة التي تبث مبدأ التسامح وتعيد كلمة «المسلمون منا» وهو ما كان مفترضاً أن تباركه كل المجامع والهيئات والقوى الإسلامية بإرسال وفود من كل الدول التي تدين بهذه العقيدة للتنديد والإدانة لأي عمل إرهابي من أي فئة أو مذهب ودين والالتقاء بجميع المؤثرين على الساحات الوطنية والرأي العام، لكن المؤسف أننا لا نعرف كيف نبادر ونعمل بإيجابية ضد من يخلقون أزماتنا.. العالم الإسلامي مدعوّ أن يكون وحدة واحدة أمام ما يهددهم ويضعهم في الحلقة الأضعف بسبب تصرفات لا تزال تغذيها وتمنحها الحياة عناصر رافدة لها وتقوض كل عمل كبير أعطته للعالم ديانتهم وحضارتهم.. لمراسلة الكاتب: [email protected]