المصانع الناعمة هي التسمية القديمة للمكتبات العامة لمساهمتها في تطور الإنسان والصناعة في مختلف مجالات الحياة. فحول العالم لعبت المكتبات العامة أدوارا قيادية في دعم نمو المجتمعات وتطورها، ففي مدينة تورونتو الكندية تعود المكتبات فيها للقرن الثامن عشر، وفي العام 2011 وصل عدد زوار مكتباتها إلى 19 مليون زائر في السنة وتعد من أهم المعالم التي يقصدها السياح حيث إن المكتبات العامة ليست للقراءة فقط بل هي نهج حياة وجزء من نسيج اي مجتمع وتقدم خدماتها المختلفة لروادها من الترفيه وإعارة الأفلام والوسائط الإلكترونية إلى إعارة الكتب، فضلا عن وجود المقاهي بداخلها وغيرها من الخدمات الثقافية والتعليمية لمختلف شرائح المجتمع وتنظيم ورش العمل. في عصر المعلوماتية والاقتصاد المعرفي وظهور محرك البحث جوجل بخدماته المختلفة لم تنته المكتبات العامة حول العالم بل تتجدد تلقائياً لتحافظ على دورها ولها عائد اقتصادي يتم قياسه بشكل منتظم للتأكد من استمرار مساهمتها في نمو المدن وحركة الإنتاج والإبداع فيها في مختلف المجالات، وعلى سبيل المثال تحقق المكتبات العامة في ولاية كولورادو في الولاياتالمتحدة عائدا اقتصاديا متوسطا يقدر بقيمة 5 دولارات لكل دولار ينفق عليها، وبعض مكتباتها تحقق عوائد اقتصادية تصل إلى 31 دولارا لكل دولار؛ لذلك تعد المكتبات العامة جزءا من مكون أي مجتمع ومتى تقادمت يحتم الاستثمار في تحديثها لتحافظ على دورها وربما من أفضل الأمثلة على ذلك هي مكتبة سياتل العامة بالولاياتالمتحدة والتي صوت سكان المدينة على تحديثها في العام 1998م بمبلغ 194 مليون دولار وساهم مؤسس ميكروسوفت بيل غيتس بمبلغ 20 مليون دولار لتحقق هدفها وهو «جمع البشر والمعلومات والأفكار لإثراء الحياة وبناء المجتمع»، وبالطبع تحافظ المكتبات العامة حول العالم على حداثتها ليس فقط بخلق البيئة الملائمة للتعلم والإبداع بل كذلك بتحديث كتبها حيث تستقبل بعض االمكتبات الكتب بشكل أسبوعي فضلا عن خدمات الكتب الإلكترونية والمسموعة والإنترنت عالية السرعة. خلف قصة نجاح أي أمة كتاب ومكتبة عامة وبالرغم من انتشار نماذج مختلفة للقراءة وانتشار القراءة الإلكترونية كما هي الحال في قارئ أمازون الإلكتروني كيندل والذي يحوي 3 ملايين كتاب إلكتروني إلا أن المكتبات العامة تظل الحاضن لأي نمو لقتصادي وثقافي وحضاري، لذلك لا بد من تطوير مكتباتنا العامة خاصة وأننا نطمح إلى تنويع مصادر الدخل الوطني وتعزيز اقتصاد المعرفة، ومثل هذه الاستثمارات هي جزء من نمو الوعاء المعرفي الوطني والذي ينعكس على مفاصل التنمية ووعي المجتمع.