كان هنري فورد (مؤسس شركة فورد للسيارات) يطرد أي عامل يتحدث مع زميله أو يبتعد عن خط الإنتاج مسافة متر.. وذات يوم زاره المخترع المعروف توماس أديسون.. وأثناء تجولهما في المصنع اقتربا من عامل يغط في نوم عميق.. وأمام دهشة أديسون توقف فورد وهمس في أذنه طالباً منه التراجع بهدوء كي لا يوقظا الرجل.. استغرب أديسون وقال: لم أعهدك بمثل هذا التسامح مع العمال ياسيد فورد.. فقال فورد: لا تستغرب؛ فبعد كل غفوة يتحفنا هذا الرجل بفكرة جديدة أو تقنية مدهشة.. واليوم أثبتت الدراسات صحة قرار فورد.. فالقيلولة تصفي الذهن وتعيد النشاط وتمنحنا طاقة إضافية.. وكثير من الشركات العالمية أصبحت حالياً تتساهل في مسألة الغفوة القصيرة لتحسين أداء الموظفين والعمال فيها.. والمدهش أنه حتى سنوات قليلة مضت كان الغرب يسخر من تعلق الشعوب الشرقية بنومة الظهر أو القيلولة وكانوا يرون في ذلك كسلاً وتخاذلاً ولا يتفهمون طبيعة المناخ الحار التي تفرض السكون والاسترخاء وقت الظهيرة. أما الشعوب اللاتينية في أمريكا الجنوبية فتسمى نومة القيلولة "سيستا" وتعتبرها حقاً من حقوق الموظف فضلاً عن المواطن.. واليوم أثبتت الأبحاث أهمية السيستا في تصفية الذهن وتجديد النشاط وتنفيس ضغوط العمل كون عمل الموظف لعدة ساعات يقلل من تركيزه فتكثر أخطاؤه وتنخفض كفاءته في حين يمكن تجاوز كل ذلك بأخذ غفوة صغيرة.. يقول الدكتور وليام أنتوني مؤلف كتاب "النوم أثناء العمل" إن الشركات الأمريكية بدأت تقتنع بأن غفوة قصيرة تزيد من إنتاجية العامل بنسبة 30% ويقظته بنسبة 100%. وهناك عدة شركات (مثل نايكي وانتل وسي أي) أنشأت أكشاكاً صغيرة للنوم توقظ الموظف تلقائياً بعد نصف ساعة من إغلاق الباب.. وكانت شركات الطيران قد عمدت منذ فترة طويلة إلى تشجيع طياريها على النوم لفترة محسوبة خلال الرحلات الطويلة. فقد لاحظت أن معظم الكوارث تتم أثناء هبوط الطائرة بسبب سهر "الكابتن" أثناء الرحلة.. ولنفس السبب تقريباً يتم تدريب الطيارين العسكريين على النوم في وضع منتصب أثناء المهام الطويلة. فخلال حرب أفغانستان والعراق مثلاً كانت طائرات الشبح تقطع مسافة 12 ألف ميل (من قاعدتها في ميسوري إلى الأهداف المنتقاة ثم تعود بلا توقف). وخلال هذه الرحلة الطويلة كان يسمح للطيارين بالنوم وترك مهمة القيادة للقاعدة العسكرية ومن ثم إيقاظهم قبل وصول الطائرة لأهدافها المطلوبة!! وكنت شخصياً قد لاحظت استغلال اليابانيين لكل دقيقة في القطارات ووسائل المواصلات للنوم وأخذ فرصة للاسترخاء (حتى حين كنت أصادفهم في الخارج).. ويمكن فهم السبب من خلال وزارة الصحة اليابانية التي طالما حذّرت مواطنيها من كثرة العمل وقلة النوم.. فاللغة اليابانية هي الوحيدة في العالم التي تملك كلمة خاصة بالموت نتيجة العمل المتواصل المقترن بقلة النوم (تدعى: كاروشي).. وأذكر أنني قرأت دراسة نشرتها صحيفة أساهي شيمبون توضح أن (60%) من البالغين في اليابان يشعرون بالنعاس الدائم خلال اليوم بسبب قلة النوم.. وذكرت أن معظم اليابانيين ينامون بمعدل 6,3 ليلاً فقط وأن واحداً من أربعة يستيقظ صباحاً دون الحصول على ساعات نوم كافية!! ... نحمد الله أيها السادة على استحالة وفاة موظفينا بسبب الكاروشي.. ... ونحمده أيضاً على عدم اشتغالنا في المصانع والحقول وقرب خطوط الإنتاج... ... ونحمده أكثر على منحنا حجة الحضور متأخراً بسبب المدارس والخروج مبكراً لأداء الصلاة!!