لا تدققوا في العنوان، ليس هناك داع إلى أن تدققوا في المقال وما يسطر فيه، فالفكرة تعاندني وتخرج لسانها لي وهي تطل وما إن أمسك بها حتى تهرب وهي تضحك بسخرية قاتلة، ولا أعرف لم تسخر مني أفكاري؟.. مع أن أفكار الآخرين تتغنج، تتدلل، ترقص، أما أفكاري فهي تضحك مقهقهة أو تضربني كفا أو تشيح بوجهها عني معاندة وتعاقبني بالهروب إلى الآخرين! وحتى أتوقف عن الشكوى التي تصيبكم بالملل وأنتم مشغولون بتمثيليات رمضان «ريا وسكينة والحور العين» والضحك مع قرقيعان ويدكم على الريموت كونترول، مما يؤكد لي أنني في معركة خاسرة حتى لو صرخت بأعلى صوتي أطلب من ينقذني، سأوضح لكم أننا اليوم قد نلعب لعبة الكلمات المتقاطعة! لنتأمل، فالجو الليلي الجميل في الرياض يدفعنا للتأمل، ولا أدري لماذا أصبحت الرياض حنونة هذه الأيام، حتى في زحام الظهيرة وزحام ما بعد العاشرة ليلا هناك شيء من حنان، أهي المدينة أم شعوري بها؟ تبقى الرياض مهما غضبت مني أو أغضبتني تهزم كل مدينة! ما علينا فهذا كلام يجب أن أحتفظ به لنفسي لذلك سأتوقف وأعود للتأمل، لنتأمل، وتأملي اليوم جاد بعد حديث طويل مع النفس ومن هم قريبون للنفس! «خسارة التافهين ربح» جملة سمعتها ورسخت في ذاكرتي، وأظن أنني حدثتكم عنها قبل فترة، لكن ليس هناك مشكلة في أن نكررها فكل الأفكار تتكرر! أنت في صغرك كانت لديك لعبتك المفضلة أو «بطانية الأمان» إن صحت الترجمة، التي تحملها معك في كل مكان، كنت تحدثها، تحاكيها، تغمض عينيك وأنت تعيش من خلالها أحلام يقظة. وحين تكبر قد تبحث عن حزام أمان، أو منطقة راحة أو زاوية يحيط بها الظل تهرب لها حين تريد أن تغمض عينيك لأنك تعبت من حالة التأهب والترقب التي تعيشها تريد أن تأخذ إجازة قصيرة ولو للحظة أو دقيقة أو ثانية. ومنطقة الأمان هذه قد تكون أخا قريبا أو صديق عمر يعرفك قبل نفسك أو هواية تشغل عقلك وتجعلك تنسى ما يضايقك، أو يتعبك، وأجمل إحساس في الدنيا أن تشعر بالأمان، أن تهدم الحدود والحواجز ألا تحاول أن تتجمل أو تتزين أو تخفي شيئا منك، أن تكون أنت! سواء وأنت تشرب فنجان قهوة تركي مع شخص عزيز يحس بك ويعرف لغة عينيك ونبرة صوتك أو تركض على جهاز السير في ناد رياضي أو تمسك بقلم أو ريشة وتخربش خربشة لن يراها أحد. أنت تعرف أنك في منطقة الأمان هذه أنت أصدق ما تكون ومن تكون، وأنت تعرف أن لحظات الصدق الذاتية هذه قد تكون نادرة، لذلك يجب عليك أن تختار من يشاركك إياها. ونحن تتعبنا المشاركة، تعودنا أن تكون ضمن شلة أو جماعة. لذلك نحن نبحث دائما عن نديم يشاركنا هذه اللحظات، والمشكلة أننا في أحيان كثيرة نخطئ في الاختيار، ونعيش تبعات هذا الخطأ حين نكتشف أن منطقة الأمان هذه أصبحت منطقة حرب دائمة، منطقة نريد أن نحيطها بسياج ونعلن أنها منطقة خطر ممنوع الاقتراب منها، أو منطقة مليئة بالألغام التي يجب أن تفجر، وفي هذه الحالة لابد أن نبتعد، ندير ظهرنا ونرحل لننشئ لنا مكانا آمنا جديدا، ونحن نقول بدون أسف: «لا مشكلة.. خسارة التافهين ربح». انتهى مقال الكلمات المتقاطعة! أما العنوان.. فهو ما قالته لي الفكرة حين حاولت أن أمسكها من شعرها وأسجنها على صفحات الورقة. العنوان البريدي ص.ب 8913 الرياض 11492