بوسطن... مدينة مثل كل المدن! مازلنا نتحدث عن المدن.... فنحن في رحلة البحث عن مدينة! لكل مدينة روح..وأرواحنا قد تلتقي مع هذه المدن وقد تبتعد عنها خائفة! وأمريكا لمن تعودوا على أوربا قد تبدو غريبة وغير مفهومة، ورغم العولمة ومحلات المأكولات السريعة التي تحيط بنا في بلادنا والقنوات الفضائية التي تجعلنا نعرف «ديفد ليترمان، وكونان أوبراين وجي لينو» ونقتبس بدون حتى أن نوثق هذا الاقتباس من برامج «على الهواء ليلة السبت» و«لاري كينج» وبرامج الحوارات التلفزيونية، رغم كل هذا وكل ما تعرفه عن مدينة وعن حضارة وعن شعب، تجد أنك تكتشف شيئا جديدا عندما تكون هناك! وأنا هنا لن أحدثكم عن رحلاتي في البحار السبعة، ولن أحدثكم عن العرب في شارع «نيوبري» المرادف لتحلية الرياضوجدة وسوليدير بيروت. لكننا سنكمل حديثنا عن المدن...الغريبة! وأنت حين تزور مكانا ما سائحا أو مقيما إقامة مؤقتة تظل تحمل داخلك شعور الغربة مهما طالت إقامتك أو قلت، ومها كنت سعيدا، مرتاحا، هاربا من مكان ما، من شيء ما، من ذكرى ما، من تعب ما، الرحيل بكل أنواعه يمثل نوعاً من الراحة، فأنت تحضر حقيبتك وتهرب لمدينة قريبة باحثا عن هواء البحر، وتأخذ أغراضك في آخر الأسبوع وترحل ل «البر» بحثا عن شيء من الهدوء والسكينة وبعضا من التغيير، فالوجوه هي الوجوه والطعام هو نفسه والشاي والعصير لا يتغير، لكن الروح تتغير! والروح تحتاج للتغيير! لتعود بعد ذلك إلى مكانها الأساسي عشقها.. بيتها.. مدينتها وهي متشوقة...مترقبة..فاتحة يديها لاحتضانها. وقليلة هي الأماكن التي اختلافها عنك أساس عشقك لها وتمسكك بها، فليس كل مختلف بشعاً أو كريهاً أو يستحق أن نبتعد عنه! فقط كل ما تحتاجه هو أن تترك عنك الأحكام الجاهزة وتغمض عينيك وتسترخي! وسأحدثكم عن مقهى صغير مختلف، جزء منه مكتبة، اجتمعت فيها كل أنواع الكتب علمية وأدبية وتاريخية ومجلات بأنواعها وكروت ، وهدايا! وكراسي وطاولات... يجتمع عليها طلبة الجامعات القريبة، كل منهم يحمل جهاز الكومبيوتر المحمول ليستفيد من خدمة الانترنت الفضائي بدون مقابل أو كتابا يقرأ كلماته، والبعض يمسك بالورقة والقلم يرسم أو يكتب، وإعلانات تملأ المكان عن مواعيد قراءات شعرية أو حلقات نقاش عن الفن... الأدب..مشاكل الشباب. مجموعة من طلبة الصيف تحلقوا حول طاولة يأكلون الأيسكريم ويتناقشون في محاضرة اليوم، أستاذ مع ثلاثة طلبة يمسكون بكتاب عن أعمال مايكل أنجلو يتحدثون عنه! كل شيء في هذا المكان الغريب عنك يقول لك...هذا مكانك.. تفضل...اكتب... ارسم..اقرأ... تناول فنجان شاي أو قطعة دجاجة مشوية أو إفطارا في الساعة الحادية عشرة ليلا! هنا تجد الرياض والمنامة والكويت ولبنان مجتمعة على طاولة، وطوكيو على طاولة أخرى، وألمانيا في ركن... مكان يتجمع فيه الطلبة من كل مكان والسواح الذين يضلون طريقهم! هو مكان جميل لولادة فكرة أو كتابة قصة أو وضع خطوط للوحة..مكان ملهم.. ليتنا نعرف أن قيمة الأماكن ليس في شكلها ولا مظهرها الفاخر بل فيما تحمله من معنى! وهذه الجملة الأخيرة موجهة لي وليست لكم! العنوان البريدي: ص.ب 8913 الرياض 11492