لم يوافق مجلس الشورى يوم الثلاثاء الماضي بالأغلبية على وثيقة السياسة السكانية التي تقدمت بها الحكومة. وقد ساق أعضاء المجلس العديد من المبررات الوجيهة التي دفعتهم لاتخاذ قرارهم والتي من ضمنها أن التنمية تحتاج إلى قوة بشرية مضاعفة لسد وظائف الوافدين. واهتمام مجلس الشورى بهذا الموضوع ليس مصادفة. فالسياسة السكانية في أي بلد، بدون مبالغة، تعتبر من أهم السياسات لارتباطها بالتنمية. ولذلك نلاحظ أن هذه السياسة تختلف من بلد إلى آخر حسب ظروف وطبيعة الحالة الاقتصادية. ففي روسيا مثلاً، التي تعاني من انخفاض معدل النمو السكاني، تقدم الدولة مكافأة مالية لكل عائلة تنجب أكثر من طفلين. وبالعكس نرى الصين، التي تحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث تعداد السكان، تقيد عدد المواليد وتجبر العائلة على إنجاب طفل واحد فقط. ونحن بالمثل يفترض أن تكون لدينا سياسة سكانية تتناسب مع وضعنا الاقتصادي. فالحماسة هنا لا تحل المشكلة. فالمملكة من زمان تشجع النمو السكاني وتقدم له كل الحوافز الممكنة. وهذا أدى إلى زيادة عدد السكان في المملكة بمعدلات مرتفعة فاقت معدل النمو الاقتصادي. ولذلك بدأ معدل البطالة يرتفع – خصوصاً مع التوسع في توظيف العمالة الوافدة. والمشكلة هنا لا تقتصر على تزايد عدد سكان بلدنا ولكن تتعداها إلى التركيبة السكانية التي يغلب عليها الفئات العمرية الشابة التي هي دون 30 عاماً. الأمر الذي يخلق معه ليس فقط مشاكل اقتصادية وإنما يذهب بالأمور إلى أبعد من ذلك. فكل شاب لا يحصل على عمل لفترة طويلة يكون عرضة لتأثيرات مختلفة قد لا تكون كلها مرغوبة. وليس ذلك وحسب. فحينما نناقش السياسة السكانية يجب ألا نغفل بأن نسبة عالية في النصف الثاني من المجتمع عاطلة عن العمل. وهذا من شأنه أن يرفع معدل البطالة إلى مستويات أعلى من الإحصاءات الرسمية. فلو فتحت الأبواب للمرأة لدخول سوق العمل مثل الرجل لربما وصل معدل البطالة لدينا إلى أعلى من 30%. ولذلك عن أي تشجيع لزيادة عدد السكان يمكن أن يجري الحديث طالما لدينا هذا الفائض الكبير في قوة العمل. أن معدل النمو السكاني لا يمكن أن يكون أعلى من معدل النمو الاقتصادي بصورة مستمرة من دون أن يؤدي إلى أثار سلبية. ولذلك كان من المفترض أن يدور النقاش في مجلس الشورى بادئ ذي بدء عن الوسائل الكفيلة لزيادة معدلات نمو الاقتصاد قبل الاعتراض على السياسة السكانية. ففي هذا المجال علينا ألا ننسى أن نصف المجتمع لا يمكنه أن يبقى خارج سوق العمل إلى مالا نهاية. فقوة العمل النسائية، طال الزمن أو قصر، سوف تدخل تلك السوق وتشارك مثلها مثل قوة عمل الرجل في التنمية. وعندها سوف نكون أمام خيارين: إما أن نرفع معدلات نمو الاقتصاد أو نسمح لنسبة البطالة بالارتفاع إلى مستويات قد تعرض الأمن والاستقرار في بلدنا للخطر.