أحكي لكم فجيعتي وأنا في شبه غيبوبة وبنصف وعيٍ، لا أعلمُ من شدة ُحزني أقلبي بين أضلعي أم ُيلامس السماء؟ روحي ذابِلةٌ، جسمي ذاوٍ، وكياني انهار يوم أن صعقني تحليل المشفى، وجاءني طبيبهُ بالخبر الصادم قائلا في شبه دهشةٍ مُغلفةٍ بقليلٍ من الأسى: ثبُت يا سيدتي بشكل قاطعٍ إصابتكِ بمرض الإيدز!! ولكم أن تتخيلوا وقع الخبر عليّ؟، وكيف تلقيتهُ؟ بسقوطي على أقرب مقعد أمامي! كنت ُمجبرة على عمل التحليل بعد أن أُصيب زوجي بالمرض قبلي. كان كثير السفر والترحال والاختفاء تحت مسمى (سفريات عمل). ولا يعودُ لأرض الوطن إلا ويسافر خارجه تارة أخرى! واستمر على هذا المنوال والذي عرفتُ أنه بدأهُ حتى قبل زواجنا، وبعد الزواج واظب عليه كدرس أساسي لا تستقيم حياتهُ من دونه، فمن أدمن الفسق والفجور والمعاصي وانغمس فيها، لن يردعهُ عنها رادع إلا من رحم ربي وتاب عليه. حتى بعد أن أنجبنا ثلاثة أطفال لم يتأثر، ولم تنمُ في داخلهِ روح المسؤولية، ولا تجذّر الضمير في أعماقه!! لم يخش الله فيمن هم تحته من زوجة وأبناء كان تفكيره محصورا مقصورا على نفسه، لم يخش على زوجته التي وثقت فيه وأمّنته على نفسها وروحها، لم يفكر أنه بسلوكه المشين وسفرياته للهو والركض وراء بنات الهوى والليل لم يفكر فيما سينقله من أمراض قاتلة وفتاكة لزوجة شريفة طاهرة حافظت على نفسها وتربت في بيت أهلها على الطهر والتقى تمهيدا لانتقالها لبيت زوج عفيف يخاف الله فيها، فإذا بها تقع بين براثن ذئب بشري رعديد جبان لا وازع من دين أو ضمير في أعماقه، قد يقول قائل: لماذا تم الزواج من البداية ما دامت هذه سلوكياته؟ وما دروا أننا لم نعلم عن نواياه، ولم يظهر عليه أي سلوك منحرف وأنه شيطان في ثوب إنسان! وأننا سألنا عنه في كل مكان فكان الرد بالثناء على سلوكه الطيب القويم هو الغالب. أتساءل: ما ذنبي؟ كيف يسافر هو ويعربد في أرض الفسق ثم يأتي لينقل أمراضه المُميتة لي أنا أم أبنائه الصابرة والمحتسبة والتي غلبت عليّ سذاجتي وصدقتُ أن سفرياته كانت لأغراض العمل؟ وبعد فوات الأوان اكتشفت أن زوجي مريض بالإيدز، والتقط الفيروس في سفرته الأخيرة، وعندما عاد أصيب بوعكة قاتلة جعلته طريح الفراش، مما استدعى نقله للمشفى، وعمل بعض الفحوصات التي أثبتت قطعا اصابته بالمرض الخبيث. تلقيت خبر اصابته بجزع ورعدة سرت في سائر جسدي وشلت أركانه، وصفعتني الطامة الأخرى، وجلدتني بسوط عذابها بعد أن علمت بأن الإيدز قد غزاني وغزا بدني عن طريقه؟ أنا لستُ خائفة على مصيري فالله سيتكفل بي وبمُصابي، لكنني أفكر وأقول: من لأبنائي من بعدي؟ لن يتمتعوا بحنان يضاهي حنان أمهم! زوجي نادم على ما أصابه وأصابني لكن بعد فوات الأوان، في أي بنك أصرف هذا الندم المتأخر في أي بنك؟ إني أرفع إلى الله أكف الدعاء ضارعة إليه أن يلطف بي وبأطفالي، مرددة من عمق أعماقي: حسبي الله ونعم الوكيل على من ظلمني وتسبب في بلائي، حسبي الله ونعم الوكيل. * "هذه قصة واقعية حكيتها على لسان مريضة بالإيدز"