ان دين الإسلام دين عمل ومحبة وإخاء يعطي كل ذي حق حقه فلا يظلم فقيرا ولا يحقر صغيرا ولا يمنع من له حق على اخيه فديننا يعلو ويسمو بتوثيق روابط الأخوة وأواصر المحبة والألفة بين افراده شعوبا وقبائل وجماعات، فمكارم الأخلاق لها الحظ الأكبر والنصيب الأوفر في حياة المسلم ليتحلى ويتصف بها وهو يسير في دنياه ليكون نموذجا حياً يحتذى به تطبيقا لما جاءت به عقيدتنا الإسلامية الخالصة والنقية من الشرك والبدع والخرافة والوثنية والتي استمدت احكامها من كتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والتي اتخذت العدل لها اساسا وركنا تشد به المواثيق والعهود مع الآخرين لأن الله عز وجل قال {وإذا قلتم اعدلوا ولو كان ذا قربى} فالعدل مطلب من المطالب الشرعية المهمة في حياة البشرية التي نعايشها ونتعامل معها، والله عز وجل امرنا به وحثنا عليه فجعل محبته ثوابا للعادلين فقال سبحانه وتعالى {ان الله يحب المقسطين} اي العادلون وعلى هذا الاساس كان العدل في كل شيء مع النفس والأولاد والزوجات والجيران والأصحاب والعمال بل وحتى مع غير المسلمين من الكفرة والمشركين قال تعالى {ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى}. فشريعتنا كاملة وشاملة في كل شيء قال تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي، واشترى عليه الصلاة والسلام من وثني اغناما ووزعها على اصحابه، وأكل طعام اليهود لأن الله قال {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم}، وزار صلى الله عليه وسلم يهوديا في مرض موته فدعاه للإسلام فأسلم، وربط ثمامة بن أثال في المسجد فأسلم رضي الله عنه، واستقبل وفد نصارى نجران وأسكنهم المسجد، وصالح المشركين في الحديبية وعقد معهم الصلح والهدنة، واستخدم ابن اريقط خرينا له في الهجرة، فهكذا كان هديه عليه الصلاة والسلام في تعامله بل ان الإيجارة عقد من العقود في الشريعة الإسلامية اذا قام بها احدهم لزم الباقين الوفاء به مع المشركين قال صلى الله عليه وسلم (لقد أجرنا ما أجرتي يا أم هانئ). وإن مما ابتلينا به في هذه الأزمنة ما يفعله حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام من احفاد ذي الحويصرة التميمي وأبناء ابن ملجم وما تشتهيه عقولهم وأفكارهم التكفيرية من خلال تجمعاتهم السرية والتي جنت على الإسلام الويلات والنكبات وقتل المعاهدين والمستأمنين فخالفت ما امر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم فافسدت ودمرت وروعت وقتلت فحسبنا الله ونعم الوكيل من ذلك وكل ذلك بأسباب الخلل في فهم الإسلام وعدم معرفة احكامه وكيفية التعامل مع غير المسلمين وفق الضوابط الشرعية التي قررها علماء اهل السنة التعامل مع غير المسلمين وفق الضوابط الشرعية التي قررها علماء اهل السنة وبينوها في مؤلفاتهم وكتبهم لكي لا تلتبس الأمور على من ليس لديه بصيرة من علم فتزل به الأقدام وتضل فيه الأفهام ويحصل مالا يحمد عقباه من جراء هذا الفهم الأعوج والذي بدأ من الاستراحات فانتهى بالتفجيرات فخالفوا في ذلك علماءهم الذين اصدروا الفتاوى والتي بينوا فيها الضوابط المرعية والأحكام الشرعية في كيفية المعاملة مع غير المسلمين ومنها فتوى سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في مجموع فتاوى ومقالات (ج 6 ص/364) قال رحمه الله تعالى ان من المشروع للمسلم بالنسبة لغير المسلم امورا متعددة منها اولا: الدعوة الى الله عز وجل بأن يدعوه الى الله ويبين له حقيقة الإسلام حيث امكنه ذلك وحيث كانت لديه البصيرة لأن هذا هو اعظم الإحسان وأهم الإحسان الذي يبديه المسلم الى مواطنه وإلى من اجتمع بهم من اليهود والنصارى او غيرهم من المشركين لقول النبي صلى الله عليه وسلم «من دل على خير فله مثل اجر فاعله» رواه مسلم وقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه لما بعثه الى خيبر وأمره ان يدعو الى الإسلام قال: (قوا لله لئن يهدي الله بك رجلا خير لك من حمر النعم): متفق على صحته وقال عليه الصلاة والسلام {من دعا الى هدى كان له من الأجر مثل اجور من تبعه.. الحديث} رواه مسلم، فدعوته الى الله وتبليغه للإسلام ونصيحته في ذلك من اهم المهمات وأفضل القربات. ثانيا: لا يجوز ان يظلمه في نفس ولا في مال ولا في عرض اذا كان ذميا او مستأمنا او معاهدا فإنه يؤدي له الحق فلا يظلمه في ماله لا بالسرقة ولا بالخيانة ولا بالغش ولا يظلمه في بدنه لا بضرب ولا بغيره لأن كونه معاهدا او ذميا في البلد او مستأمنا يعصمه. ثالثا: لا مانع من معاملته في البيع والشراء والتأجير ونحو ذلك فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه اشترى من الكفار عباد الأوثان واشترى من اليهود وهذه معاملة، وقد توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام اشتراه لأهله. رابعا: في السلام لا يبدأه بالسلام لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تبدأ اليهود والنصارى بالسلام) رواه مسلم وقال (اذا سلم عليكم اهل الكتاب فقولوا وعليكم) فالمسلم لا يبدأ الكافر بالسلام لكن يرد عليه بقوله (وعليكم) وهذا من الحقوق المتعلقة بين المسلم والكافر ومن ذلك حسن الجوار، اذا كان جارا تحسن اليه ولا تؤذيه في جواره وتتصدق عليه اذا كان فقيرا تهدي اليه وتنصح له فيما ينفعه لأن هذا مما يسبب رغبته في الإسلام ودخوله فيه ولأن الجار له حق قال النبي صلى الله عليه وسلم (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه) متفق على صحته وإذا كان الجار كافرا كان له حق الجوار وإذا كان قريبا وهو كافر صار له حقان حق الجوار وحق القرابة ومن المشروع للمسلم ان يتصدق على جاره الكافر وغيره من الكفار غير المحاربين من غير الزكاة لقوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين)، وللحديث الصحيح عن اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنهما ان امها وفدت عليها بالمدينة في صلح الحديبية وهي مشركة تريد المساعدة فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك هل تصلها فقال (صليها) اما الزكاة فلا مانع من دفعها للمؤلفة قلوبهم من الكفار لقوله عز وجل (انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم). اما مشاركة الكفار في احتفالاتهم بأعيادهم فليس للمسلم ان يشاركهم في ذلك. فهذا هو ديننا وهذه هي عقيدتنا وأمامكم فتاوى علمائنا فماذا يريد هؤلاء بشعاراتهم الحزبية وخطبهم الثورية وأناشيدهم الحماسية وتمثيلياتهم الجهادية بمناهجهم الحداثية التفكيرية والقطبية التفجيرية ، وهم يحرضون شبابنا على علمائنا وولاة امورنا ويدعونهم لنزع يد الطاعة والخروج عن جماعة المسلمين بحجة انهم يوالون المشركين ويعطلون الجهاد ولا يفهمون الواقع وعلماء حيض ونفاس وجامية وبازية والبانية ومدخلية ومن غلاة المرجئة حتى ابعدوهم عن طريق الحق وصرفوهم بتلك الدعاوي الباطلة والافتراءات الكاذبة والتهم الجائرة ولكن الله سبحانه وتعالى يقول {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون} فيا شباب التوحيد والسنة يامن تربيتم على العقيدة الصحيحة سيروا على ما سار عليه اسلافكم وعليكم بالعتيق وكونوا عونا ومعينا لولاة امركم فو الله اني عليكم لمشفق ممن يدعونكم ويلوثون افكاركم على حكامكم وعلمائكم ممن وصف الله حالهم بقوله {قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا} قال بعض أهل العلم هم الخوارج. شر قتلى تحت أديم السماء هم الذين يقتلون اهل الإسلام ويدعون اهل الأوثان من سوء اعمالهم وأفكارهم السيئة التي فرقوا بها عباد الله المؤمنين وفعلوا ما فعلوا من الأباطيل من سفك دماء الأبرياء من المسلمين والمعاهدين. وأخيرا سئل عبدالله بن وهب صاحب الإمام مالك رحمهما الله عن غيبة النصراني فقال (أوليس من الناس؟ قالوا بلى قال فإن الله عز وجل يقول: وقولوا للناس حسنا). اسأل الله ان يحفظ هذه البلاد من كل سوء ومكروه كما اسأله ان يحفظ ولاة امورنا وعلماءنا وشبابنا وجنودنا كما أسأله سبحانه وتعالى ان يغفر للملك فهد وأن يسكنه فسيح جناته وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأن يعينه ويسدده وأن يصرف عنه كل سوء ومكروه.