التطوير عملية مستمرة وتراكمية يتحقق فيها تكامل الجهود والأفكار بتعدد المسؤولين وتنوع تجاربهم وأفكارهم. ومع قدوم قيادات جديدة حصلت على ثقة خادم الحرمين الشريفين، نقول لهم إن هذه الثقة تعني المسؤولية وإنها داعم قوي لفتح أبواب النجاح، ونسأل الله أن يعينهم ويوفقهم على تحقيق الأهداف المنشودة. وفي طريق التنمية ملفات قديمة وجديدة وبحر من الأفكار والرؤى ومشاريع كثيرة منجزة أو في طريقها إلى الإنجاز أو متعثرة. ولذا ستكون من الخطوات المهمة خاصة للقياديين الجدد تحديد الرؤية، والأولويات، ومن ثم بناء الخطط وآليات التنفيذ والمتابعة. ولكني في هذا المقال لن أقدم توصيات أو نصائح لأن القياديين المستمرين والجدد هم على قدر عال من التأهيل العلمي ورصيد متميز من التجارب والخبرات. ما سأطرحه اليوم هو بعض الملاحظات العامة والأفكار والتساؤلات حول ثقافتنا أو عاداتنا الإدارية التي تؤثر في سلوكنا الإداري وقراراتنا، مع التذكير ببعض القضايا التي تحتاج إلى تحريك ودفع في طريق التطوير. _ من التوجهات الملحوظة في الآونة الأخيرة الميل نحو إنشاء الأجهزة والهيئات الجديدة كحل لمشكلات قائمة لم يتمكن الجهاز الأصلي المسؤول عنها من حلها. في الندوات والمؤتمرات التي تناقش القضايا التنموية يتكرر دائماً اقتراح أجهزة وهيئات جديدة رغم وجود أجهزة تقوم بالمهام المقترحة. _ يرتبط بما سبق القناعة الراسخة لدى البعض بأن تحويل الجهاز من هيئة أو مؤسسة أو معهد إلى وزارة كفيل بتحقيق قفزة تطويرية ونقلة نوعية في الأداء رغم أن الهيئة قد تنجح أكثر من الوزارة فالعبرة ليست في الموقع التنظيمي في هيكل الدولة وإنما في القيادة. _ من المحاذير أن الأقوال تسبق الأفعال، وقد يأتي المنجز خلافاً للتوقعات حين تكون التوقعات مستنده إلى خطاب إعلامي إنشائي يقول الكثير ولا يقول شيئاً. وهذه ملاحظة سجلت وتسجل على أداء بعض الأجهزة. _ من المهم أن تكون بيئة العمل محفزة على الإبداع والابتكار وتقديم المبادرات وألا تكون الإدارة تعمل بمبدأ (رد الفعل). التطوير يتطلب المبادرة وتقديم الرؤى المستقبلية والحلول الاستباقية، وتعزيز التفكير الإيجابي. _ يعتقد البعض أن سلوكنا الإداري يكاد يتحول إلى عادات إدارية من ملامحها انتظار التعليمات والتوجيهات، والاستثناءات، وعدم تشجيع وتقدير الإبداع، وتغليب العاطفة على الموضوعية فتغيب القدرة على المصارحة واحترام تعدد الآراء، وتصبح المهمة إرضاء الرئيس وتزويده بالأخبار السارة فقط. _ قال تعالى: ( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) ويقال إنه لا يوجد أقل شأناً من شخص يملؤه الغرور. وهناك من يعتقد أن الانشغال عن اللقاء بالموظفين والمراجعين يكسبه الهيبة. ومن المهم التذكير أن الاحترام هو السلوك المرغوب وليس الهيبة، وإذا احترمت الآخرين كسبت احترامهم. _ الاعتراف بوجود المشكلة أو الخطأ هو نصف الطريق إلى الحل، وهذا سلوك يحتاج إلى تعزيز، ويدخل في هذا الباب تطوير العلاقة مع الإعلام والتعامل معه كشريك. المنظمات التي تبحث عن الحلول تعتمد على الموضوعية وتعتبرها من القيم الأساسية حيث يتم التعامل مع الأخطاء بالبحث عن أسبابها وليس التركيز على توجيه اللوم وتبادل الاتهامات. _ تنمية العلاقات الإنسانية في بيئة العمل قد لا تكون ذات أولوية في زحمة العمل على الرغم من أهميتها في تعزيز الانتماء وفرص المشاركة، وتأثيرها في تحقيق الرضا الوظيفي. _ كثرة المهام ليست معياراً أو مؤشراً على النجاح. نوعية الانجاز هي الأهم. وبعض الإدارات تتوسع في حجمها ومهامها وعدد موظفيها بدون مبررات تنظيمية مما يتسبب في وجود ازدواجية وتنازع اختصاصات. _ من المهم عدم انشغال القيادي بمهام الآخرين وأن، يقوم بدور قيادي ويفوض الصلاحيات لفريق العمل لما لهذا المبدأ الإداري من إيجابيات كثيرة، وبإمكان القيادي تفويض كثير من المهام إلا تقديم الشكر للموظفين فيجب أن يفعل ذلك بنفسه. تلك خواطر إدارية للتذكير والتأمل وتقييم الذات، و .ولأن التعليم هو الأساس فإننا نبدأ به متطلعين الى تطوير أساليب التربية والتعليم في المدارس والجامعات لتكون قادرة على تخريج أجيال تملك الثقة بالنفس والاتجاهات الايجابية نحو العمل، والمهارات العملية التي تؤهله للحياة العملية، وبناء شخصية الطالب المشارك في انتاج المعرفة، والانسان المواطن الذي يجمع بين النظرية والتطبيق ويمارس القيم التي تعلمها، نتطلع الى التعليم الذي نلمس آثاره ونتائجه في سلوك الإنسان وتصرفاته في المواقع المختلفة والمواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل حتى نتمكن من الاعتماد على سواعدنا الوطنية، نتطلع الى أن تكون المملكة منبعاً للمبدعين والمخترعين في كافة المجالات. أما الملفات الأخرى التي يجب أن تستمر مفتوحة(على سبيل المثال لا الحصر) فهي ملف التخطيط الاستراتيجي على مستوى الوطن، وملف الصحة، والاستمرار في تطوير القضاء، وملف الاسكان، وفرص العمل، وتطوير برامج حماية البيئة، ووقف سلوكنا المروري المزعج الخطير بأنظمة صارمة حازمة في وضوحها وتطبيقها على الجميع دون استثناء، وتفعيل مهام الرقابة والمحاسبة، وتطوير أداء أجهزة الخدمات كما حصل في الجوازات والأحوال المدنية، والاستمرار في تحديث وإنشاء الأنظمة والقوانين بما يتفق مع المتغيرات. تلك بعض الأمثلة ولا يتسع المجال للتفاصيل التي آمل أن أعود اليها في وقت آخر متمنياً التوفيق والنجاح للمسؤولين المعينين حديثاً والمستمرين وعلى طريق الخير والتنمية نلتقي.