عندما بدأ السيد جيفري بفيفر الخبير في الإدارة والتنظيم من جامعة ستانفورد يستعرض مشاكل التنظيم والإدارة أمام أكثر من خمسين مسؤولا دعاهم فرع معهد الإدارة العامة بجدة ليجددوا ثقافتهم الإدارية استوقفتني أشياء كثيرة مر عليها المحاضر من أبرزها تساؤله عن نظرة الأجهزة الحكومية والمؤسسات إلى الموظف الذي يعمل فيها، هل تعتبره استثمارا أم تكلفة ؟ وتتلخص الفكرة في أننا إذا اعتبرنا الموظف استثمارا فسنضع خططا تدريبية وورش عمل مستمرة لتطوير مهارته وسنتواصل معه ونوفر له بيئة عمل مريحة، ونرفع من معنوياته ليكون شريكا فاعلا في بنية المؤسسة لتحقيق أهدافها، وسيولد هذا الاهتمام لديه ولاء وحرصا على عمله باعتباره جزءا مهما من هيكل المؤسسة التي يعمل بها أيا كان موقعه وسيجد المتعاملون معه والمراجعون له رقيا في التعامل وسرعة في المتابعة وحرصا على إنجاز العمل. وعلى الجانب الآخر إذا نظرنا إلى الموظف على أساس أنه تكلفة واستكثرنا الإنفاق على رفع مهارته وتعليمه وتدريبه وأشعرناه بالمنة عليه وأنه موجود بيننا بحكم أنظمة الخدمة المدنية، ولولا أن أنظمة الدولة تحميه من بطشنا لما أبقيناه يوما ولوجد ملفه على مدخل المؤسسة عند أي هفوة. هاتان الصورتان موجودتان في ثقافة وسلوك بعض المؤسسات ونستفيد من آثارها الإيجابية ونعاني كمواطنين من إنعكاساتها السلبية وتستطيع أن تراهما من خلال سلوك الموظفين بشكل يومي. إنني أفترض أنك لمسئول كلف بعمل قيادي يحرص على النجاح ويتمنى أن تكون إدارته مهما كان حجمها مثلا في الثقافة الإدارية والعملية المنتجة، لكن هذا مرتبط به كقدوة للجميع وفي قدرته على نقل ثقافة التشجيع والتحفيز للعاملين معه حتى يأتي الموظف إلى عمله باحساس الشراكة بالعمل وليس بشعور موظف التكلفة التي تحدث عنها المحاضر ونجدها مع الأسف في واقعنا. قد يرى البعض أن الأنظمة المالية والإدارية لا تساعدهم لكنهم لوتأملوا جهات مشابهة تحكمها نفس الأنظمة استطاعت بثقافة النظرة الاستثمارية للموظف أن تدفع موظيفها إلى الإنتاج وأن تكون رقما فاعلا في مسيرة التنمية. كم نحن بحاجة إلى أن ننشر ثقافة موظف الاستثمارفي عقول القيادات الإدارية حتى تتحول هذه الثقافة إلى بناء كوادر منتجة من الموظفين الذين يعتمد عليهم في تنفيذ خطط التنمية بدل أن يكونوا عبئا عليه. إن الكثير من الموظفين يضيعون وقت دوامهم في مناقشات لاعلاقة لها بالعمل أو في إجراءات إدارية طويلة يمكن أن تختصر وتحفظ لنا وقتا ثمينا للإنجاز، وقد يتساءل البعض كيف نغير نظرتنا إلى الموظف من ثقافة التكلفة إلى ثقافة الاستثمار ؟ والإجابة بسيطة عندما يدرك المسؤول هذه الحقيقة ويتبناها في قطاعه تنتقل إلى القريبين منه ثم تتسع الدائرة شيئا فشيئا، حتى تشمل المؤسسة بأسرها وعند ذلك تصبح مراجعة الدوائر الحكومية أمراً مريحاً يعمق الولاء للوطن وراحة للمواطن.