يستفيد الكاتب من آراء القراء التي تتفق معه ويستفيد كذلك من الآراء النقدية التي يطرحها بعض القراء حتى وإن طرحت بشكل يتسم بشيء من الحدة غير المبررة. إن تعدد الآراء فيه إثراء للموضوع وعلى الكاتب أن يتقبل اختلاف الرأي بروح رياضية ( غير الروح الرياضية التي ظهرت مؤخرا على سطح المنافسات الكروية العربية). والتفاعل مع آراء القراء هو حوار مفيد بشرط أن يتسم بالموضوعية. وبهذه الروح الموضوعية أريد أن أتفاعل مع القارئ العزيز أيمن القاضي في تعليقه على موضوع ( طريق التنمية الإدارية). أخي أيمن: أنت ترى أنه ليس هناك شيء اسمه ثقافة القيم. وأقول إن المصطلح ليس هو المهم والأهم منه هو التركيز على قضية الإدارة بالقيم. وأنا احترم ملاحظتك فالقيم هي جزء من الثقافة وما يهمني هو التذكير بأن القيم التي نؤمن بها وهي قيم دينية تحث على الشورى، وعلى إتقان العمل، وعلى النزاهة، والمصداقية وغيرها من القيم الأخلاقية والمهنية لكن المشكلة هي الفجوة بين تلك القيم وبين الممارسات. إنّ وجود فجوة يعني أن نراجع أساليبنا التعليمية والتربوية بل وحتى خطابنا الديني. وأنت ترى يا أخ أيمن أنني أتناول علم الإدارة بمفهوم المركزية واللامركزية والهيكل التنظيمي الخ، وتقول إن هذه المفاهيم انقرضت مع البرامج الإدارية الحديثة التي يتم تشغيلها من خلال الكمبيوتر. ومن وجهة نظري أن البرامج الإدارية الحديثة التي يتم تشغيلها من خلال الكمبيوتر التي أشرت إليها هي بلا شك تطور خدم تطوير الأساليب والإجراءات الإدارية، والتقنية الإدارية ساهمت ولا تزال في اختصار الوقت وفي تنظيم تدفق المعلومات واستثمارها في دعم القرار. لكن الكمبيوتر بكل ايجابياته الواضحة لم يتمكن حتى الآن من إيجاد حلول لتطوير أساليب الإدارة العامة. ولعلك تتفق معي أن إدارات التعليم، والمدارس، والبلديات على سبيل المثال، لديها مسؤوليات مهمة ولا تستطيع القيام بها بالشكل المطلوب بدون صلاحيات تتوازن مع تلك المسؤوليات فالمركزية لم تنقرض وهي أحد المعوقات التي تعيق أداء مهام الإدارة المحلية من خلال فروع الأجهزة المركزية. الأمر الآخر أن توفر كافة العناصر المساعدة على النجاح مثل المعرفة، والمهارة، والتقنية والخبرة غير كافية بدون السلوك الإنساني فهو العامل الحاسم والعنصر الأهم. وهنا يأتي تأثير القيم، فإذا كان الكمبيوتر يختصر الوقت فإنّ سلوك الموظف المشغل للجهاز قد يضيع ساعات العمل في أمور خاصة على حساب المصلحة العامة. أخي أيمن: نعلم جميعا أن أجهزة إدارية كثيرة يتوفر فيها الحاسب الآلي والتطبيقات التي تخدم العملية الإدارية ومع ذلك فهي في مرتبة ضعيفة في سلم التقييم وتعاني من مشكلات إدارية ربما يكون أحدها عدم وضوح التنظيم بكافة تفاصيله وأنت ترى أن الهيكل التنظيمي هو أحد المفاهيم التي انقرضت وهذه ملاحظة تحتاج إلى إعادة نظر فلا يمكن لأي منظمة أن تعمل بدون إطار تنظيمي يتضمن المسؤوليات والارتباط التنظيمي، وخطوط الاتصال وسير الإجراءات .. الخ بل إن الإصلاح الإداري يرتبط بتطوير الهيكلة الإدارية للدولة للقضاء على الازدواجية وتحديد المسؤوليات بشكل دقيق يساعد على المتابعة والتقييم والمحاسبة. الكمبيوتر، وآليات العمل هي الجانب الفني في الإدارة، ولكن العملية الإدارية لا تكتمل بدون الجوانب التنظيمية والقيادية والإنسانية، ومعظم مشكلاتنا الإدارية ليست بسبب عدم استخدام التقنية ولكن لأسباب يرتبط معظمها بالسلوك الإداري للإنسان، فهل التسبب الإداري، وضعف الإنتاجية هما بسبب عدم استخدام الكمبيوتر؟