قلّما تجد معلماً ينزلق في الأخلاقيات السيئة، أو أن تجد رجل أمن يسرق أحداً، ونادرا ما تجد طبيباً يبخل بعلمه على علاج مريض، تلك هي أخلاقيات المهن العظيمة التي عرفتها الإنسانية منذ فجر التاريخ، والتي أصّلت في الناس مبادئ عظيمة دفعت كثيرين إلى التحيز لمهنهم التي خدموا من خلالها الإنسانية دون الالتفات لعوامل الإحباط ومقاييس العدالة البشرية المتفاوتة. وتدفع أخلاقيات المهنة رجالاً ونساء عاملين وعاملات إلى مبادرات عظيمة تتجاوز مسؤولياتهم العملية المباشرة، يسطرون من خلالها ملاحم من البذل والعطاء والإخلاص، ويدفعون لذلك ثمناً من الجهد والمال أحياناً غير عابئين بمواقف الخذلان وعدم التقدير الذي قد تواجه به مبادراتهم تلك، مدفوعين بفطرتهم وما جبلوا عليه من الانحياز للجانب الأخلاقي في أعمالهم. فما الذي يدفع رجل أمن في قطاع المرور لأن يؤوي طفلة دهست مرافقتها ويلحقها بأبنائه في منزله لحين التعرف على أهلها، وما الذي جعل معلما في الرياض يقيم فصلاً نموذجياً لطلابه كلفه 15 ألف ريال ؟ وما هي مبررات تحمل طبيب تكلفة عمل إشاعة لمسن في أحد المستشفيات الخاصة في الرياض لأنه علم أن ذلك المسن لا يملك المال الكافي لإجرائها؟. أخلاقيات إنسانية عالية، مدعومة بإيمان مترسخ بقيمة تلك المهن التي امتهن أولئك الرجال والنسوة، يرى الخبير في مجال الموارد البشرية صالح المنيف أنها تمثل دوافع ايجابية نحو المضي قدماً في ممارسات أعمال ومهن يرى ممتهنوها أن العمل بها يمثل مردوداً معنوياً ايجابياً، ما يجعلهم يقومون بتلك الأعمال عن قناعات كبيرة تجعلهم لا يلتفتون إلى تفاصيل العمل الإداري التقليدي وحساسية العاملين دائماً تجاه مقابل ما يحصلون عليه من رواتب ومميزات مقارنة بما يؤدون من عمل. وأكد المنيف أن الذين يشعرون بشرف وأخلاقية المهنة التي يمتهنونها يشعرون برسالة تحملها تلك الأعمال التي يقومون بها، مؤكداً أن ذلك يمثل مصدر سعادة بالنسبة لأولئك المؤمنين بشرف ووقار رسالتهم في تولي تلك الأعمال. وحذر المنيف من تجاهل مبادرات أولئك المعتزين والمخلصين لمهنهم، مشيراً إلى أن ذلك قد يؤدي إلى إحباط موظفين ارتقوا برؤيتهم عن الدور التقليدي للأداء الوظيفي، وذهبوا يرسمون لوحات من المبادرات وصور العطاء الرائعة التي سطروها بروح إنسانية راقية، هدفها سامي، ودروها عظيم سواء كانت المبادرات في مجال التعليم أو الطب أو الأمن أو أي جانب من جوانب الحياة المختلفة. وشدد على أنه على إدارات الموارد البشرية الا تتعامل بشكل جاف وتقليدي مع هؤلاء المبادرين والمنتمين لاخلاقيات المهنة وشرفها، وأن تحظى مبادراتهم تلك بالتقدير والثناء كونها تمثل نبراساً لبقية الموظفين، مبيناً أن تميز أولئك المخلصون والعاملون بمبادئ أخلاقية المهنة قد يصنع لهم أعداء في ذات المنظومة قد يحاربون أولئك من منطلق الغيرة، وطالب أولئك المؤمنين بأخلاقيات مهنهم بالمضي قدماً.