أكد الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس إمام وخطيب المسجد الحرام وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى على خطورة التكفير وأنه من العظائم والقواصم التي سقط فيها الكثير, والإرهاب داء التكفير, والإسلام منع أتباعه من تكفير شخص معين فكيف بمن يكفرون المجتمعات بأسرها, مع ولاتها وعلمائها. وأضاف ينبغي لنا أن نفرق بين المقاومة المشروعة والإرهاب وأن نعرف أخلاقيات الإسلام في الحرب الذي يمنع من قتل الطفل المرأة الشيخ الكبير والراهب في صومعته ، وعزا أسباب التغرير بالشباب الى ضعف دور الأسرة والتقصير عن أداء رسالة المدرسة والمسجد والمجتمع ككل, والتصورات الخاطئة التي صورت لشبابنا عن هذا الدين, والخلل في التربية والفراغ والبطالة, وأشار السديس إلى أن الإرهاب جريمة العصر وسرطان الزمان الذي يجب أن نجتث جذوره بالفكر السليم, والعقيدة الصحيحة, واتباع منهج السلف الصالح . جاء ذلك ضمن محاضرة نظمتها الجامعة الإسلامية برعاية من صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة المدينةالمنورة بعنوان (الإرهاب بين التغرير بالشباب وتجاوز السنة والكتاب) وذكر أن الإرهاب تجاوز لكتاب الله وسنة نبيه من وجوه منها أنه يخالف تكريم الإسلام للإنسان, إذا كيف يتصور عن دين يراعي حقوق الحيوان أن يهمل حقوق الإنسان, والإنسان هنا عام بغض النظر عن دينه ومعتقده ، أن دين الإسلام يدعو الى حفظ الأمن وتعزيزه واستتبابه, والأمن مرتبط بالإيمان في غير ما آية, وزعزعته أول هدف للإرهاب. ثم تحريم الإسلام للغلو والأمر بالوسطية, فالوسطية هوية امتنا بين الأمم, وهي مكمن القوة والجمال, فالشمس في وسط النهار قوي والبدر في وسط الشهر جميل, ولكن الإرهاب يقضي على الوسطية وهو قائم على الغلو. وكذلك ما جاء به الكتاب والسنة من تحريم العنف والقسوة في القول والفعل, وأمر بالرحمة والسماحة واليسر, الإرهاب يخالف ذلك تماما. وقال ان الإرهاب يقدح في العلماء والرجوع إليهم مع أنهم ورثة الأنبياء والموقعون عن رب العالمين, الرجوع إليهم صمام أمان, والأخذ منهم طوق نجاح, فهم أهل الفكر والرأي والعقل والبصيرة, ما ضل من ضل إلا بإعراضهم عنهم, ولم ينتشر الإرهاب إلا بالأعراض عن هؤلاء وعدم ثني الركب أمامهم, فالطعن فيهم طعن في الدين, ومن ذكرهم بغير الجميل فهم على غير السبيل, ومن تكلم فيهم فقد خسر آخرته. وقد وقع في هذا فئة من الشباب المغررين. وأن الإسلام يحرم قتل المعصومين من المعاهدين والمستأمنين, وقتلهم من رذايا الإرهاب, وكذلك تحريم الخروج على ولاة الأمور, وشق عصا الطاعة, ومفارقة الجماعة, وما فارق الجماعة ومات مات ميتة جاهلية, والأدلة على ذلك في الكتاب والسنة كثيرة. وتحريم الاعتداء على الممتلكات, والتفجير والتدمير في الإرض, فالإسلام حث على تعمير الأرض وحذر عن تدميرها وهو دين إعاشة لا دين إبادة, ودين إعمار لا دين دمار. والإرهاب يمارس تلك المحرمات . وتعرض السديس أن أهل الفكر الضال يغررون بالشباب لأنهم أمل الأمة, بهم تندفع الشرور, ولم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا شبابا, والتغرير بهم لحداثة سنهم وقلة خبرتهم في الحياة, واستغلال حماسهم وعاطفتهم الجياشة, ولكون ضعف تربيتهم الأسرية, حتى يصر نهبا لذئاب في صور بني الإنسان, ومن أجل الفراغ والبطالة, والحاجة في بعض الأحيان. ثم تعرض لذكر آثار الإرهاب ومضاره, فذكر أن من ذلك استحلال دماء الأبرياء, ونشر الفوضى, واختلال الأمن وزعزته, وهدم المتلكات, وتغريب البيوت, والصد عن الدعوة, والتنفير عن الإسلام بتشويه صورته, وفتح الباب أمام المتربصين للطعن فيه. ومن أهم الآثار انتشار التكفير والخروج على الحكام, مع أن التكفير حكم شرعي, فلا يكفر أحد إلا بدليل, وتعرض إمام الحرم المكي لشبه التي يرددها الإرهابيون وذكر منها : استباحة الخروج على الحكام بدعوى الظلم وعدم تطبيق حكم الله, مستدلين بقوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (الظالمون ) (الفاسقون). مع أن الكفر المراد في الآية كفر دون كفر كما بين ذلك جمهور المفسرين على رأسهم ترجمان القران ابن عباس وقتادة وغيرهم وليس هو الكفر الذي يبيح الدماء, مع أن الخروج على الحكام إلا بشروط خمسة هي: أن ترى الكفر البواح منهم فيه لنا من عند الله برهان, والشرط الخامس القدرة عليه والأمن من الفتنة.وأضاف من شبههم: أنهم يعتقدون ما يفعلون جهادا مع أن الإرهاب يخالف الجهاد من عدة أوجه, يخالف في مصطلحه, وأنواعه, وغاياته, والجهاد لابد أن تقوم تحت راية شرعية, وهو أنواع, منها جهاد بالنفس والشيطان, وطلب العلم جهاد, والسعي على الأرملة والمساكين جهاد, والذكر جهاد. ولكن لا نقابل الخطأ بخطأ مثله, فلا نطالب بإلغاء الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام عن مناهجنا الدارسية.وشبهة أخرى: وهي ادعاؤهم تغيير المنكر باليد وقوة السلاح, مع أن تغيير المنكر باليد للحكام ومن ينوبه.وديننا دين الرحمة والسلام والخير, فينبغي أن نقدم أنموذج الرحمة للإنسانية التي ملت من الشعارات البراقة التي تحمل في طياتها السم والعنف, وأن لا نعمم الأحكام ولا نربط الإرهاب بالصالحين والمتدينين, فليس كل بيضاء شحمة, ولا كل سوداء فحمة, وأن نعرف أن من أنواع الإرهاب الفكر التي تمارس ضد الدين وقيمه وضد المرأة والشباب ومنها الإرهاب الإعلامي الذي تقذف شواظا من الرذيلة , والإرهاب الصحي الذي يتمثل في نشر المخدرات, وينبغي لنا أن نفرق بين المقاومة المشروعة والإرهاب وأن نعرف أخلاقيات الإسلام في الحرب الذي يمنع من قتل الطفل المرأة الشيخ الكبير والراهب في صومعته وأنه ليس الدفاع المشروع, ولا جمع الصدقات ولا السعى للأرامل والفقراء من الإرهاب في شيء, وأن نحسن الظن بشبابنا فهو على خير على العموم. وختم الشيخ محاضرته بذكر جملة من وسائل المعالجة لهذا الفكر الضال ومنها : التسلح بسلاح العلم الشرعي, والتلقي عن العلماء المعروفين وتربية النفس, ونشر المساواة وروح التعاون, والبعد على التفرقة والتحزبات المقيتة, وقطع وسائل المغذية للفكر الإرهابي, وعلى العلماء أن يبنوا طريق الحق للشباب, وان يصبروا عليهم, وضبط الفتاوى, وأن لا تترك الفتاوى بلا زمام.