|أسهمت الفضائيات العربية التي تعد بالمئات في إحداث البلبلة والفوضى وتغييب الوعي وتضييع البديهة التي لابد منها في إدراك الحقائق والتمييز بين المقولات!. وإنك لتعجب من مئات، بل ألوف الفلاسفة والمفكرين والذين يصفون أنفسهم بالتخصص في شأن من الشؤون، والباحثين الإسلاميين والقوميين والتقدميين وغيرها من سائر الأسماء والألقاب.. كيف ظهر هؤلاء فجأة.. وكيف كان إعدادهم وتكوينهم الفكري.. فإذا استمعت إليهم لم تجد إلا هرجاً وصراخاً وسباباً يوجهونه الى من يخالفهم في الرأي.. فلم تخرج بفائدة ولم تصل إلى حد الاقتناع بما قالوا.. ولم تعرف إلى من تشكوهم، أو كيف تبلغهم رأيك ومعرفتك.. في مواجهة الجهالات والأضاليل التي يرددونها.. لأن كثيرا من مقدمي هذه البرامج يضعون على الشاشة أرقام هواتف يتعمدون إغلاقها أو شغلها.. ولا يسمحون بالاتصال إلا لأفراد يختارونهم ويتفقون معهم على ما يقولون.. وقد قلت (كثيراً) لأن هناك قلة منصفة صريحة تسمح بتبادل الآراء. | سمعت أحدهم يتحدث في اذاعة رسمية محلية فيقول : ان آدم عليه السلام حين أكل من الشجرة المحرمة إنما استعمل حقه في (الاختيار) دليلاً على حرية إرادته، وكان بامكانه ألا يأكل منها وينصاع للأمر.. وهذا يسقط حقه في الاختيار!. | أرأيت إلى هذه (الزلة) الفكرية المروعة التي تصور عصيان أمر الله سبحانه ونسيان عهده بممارسة الحق في حرية الاختيار.. مع أن آدم وزوجه حواء لم يكونا مخيرّيْن بين الأكل من الشجرة وعدم الأكل منها.. بل كانا (منهيين) نهياً صريحاً عن الأكل منها كما قال الحق سبحانه : (ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) ومن هنا كان فعلهما هذا بالأكل من الشجرة (عصياناً) لا اختياراً.. بدليل قوله سبحانه : (وعصى آدم ربه فغوى) وقوله سبحانه: (ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين). فكيف صور هذا المتحدث المتخصص في علم النفس كما قيل في تقديمه المعصية بأنها ممارسة لحق الاختيار ودليل على حرية الارادة. وبهذا التأويل (الشيطاني) لن يخجل أي مقترف للكبائر أو متورط في حمأة الرذائل مما يقترفه، بل انه سيتبجح ويقول : هذه ممارسة لحقي في الاختيار!. | أرأيت إلى ما يمكن أن تحدثه هذه الأفكار الطارئة الجامحة التي لا أثر فيها للروية والتفكر أو للبحث والعلم؟!. انه مثل واحد.. وهناك عشرات بل مئات الأمثلة التي تؤذي أسماعنا وأبصارنا كل لحظة.. ولا نستطيع حماية أسرنا وأبنائنا وبناتنا منها إلا اذا أغلقنا هذا الصندوق الرهيب الذي يبدد الأوقات ويجلب الحسرات. واذا شئت مثالاً ثانياً فهو مرئي ومسموع لمتحدث يصفونه بالمفكر الإسلامي! يعرض كتابا له عنوانه (التعددية في الإسلام) فيقول في عرضه إن أول دليل على هذه التعددية هو قول الله سبحانه : (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ومن هنا يكون بين الناس المؤمن والكافر!. ومعنى ذلك أن الكافر يمارس حقه في الاختيار أيضاً!. وينسى هذا المتحدث المفكر أن يتم الآية وتمامها قوله سبحانه : (إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بها سرادقها..) فهذا تحذير من الكفر كقوله تعالى : (ولا يرضى لعباده الكفر).. وكل الحرب القرآنية للشرك والكفر والنفاق تحذير للإنسان من السقوط في الهاوية : (ومن يشرك بالله فكأنما خرَّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق). هذا مع بشارة المؤمنين الصالحين بجنان الفردوس ذات النعيم المقيم. إن الأمر الشرعي لا يسمح بالكفر والشرك والنفاق . ولكن الأمر القدري وقع فيه هذا الاختلاف كما قال سبحانه : (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن). ولكن لا ينبغي أن يقال للإنسان : إن الله أعطاك الحق في الكفر والشرك والنفاق والعصيان .. كما هو مؤدى هذين الرأيين: رأى المتحدث في الاذاعة.. ورأي المتحدث في التلفاز.. وكلاهما تحدث بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير!.