من أهم انجازات المواصلات في بلادنا طريق الرياض أبها، هذا الشريان الذي ينتظم الكثير من القرى والمدن والهجر فما ان ينطلق المسافر من أي من المدينتين الى الأخرى حتى يرى مدى الجهد الذي بذل في تذليل وتيسير كل المعترضات التي كانت من أعتى المستحيلات الا ان الانسان بجهده ومثابرته ولما منح الله هذه البلاد من ثروة وعزيمة وحب للتغيير المنتظم قد هيأ لها سبل الوفاء مع ما تختزنه وتقدمه.. ولئن كان هذا الخط واحدا مما تضطلع به وزارة المواصلات وتوليه الدولة أهمية برزت، ففي بلادنا الخيرة اخوان وابناء عم لهذا المرفق الحيوي سواء في شرقها او في غربها.. اما ما لفت نظري وانا اذرع تلك المسافة فهو بعض الوصلات التي تربط بين بعض الأماكن الآهلة على طول بعضها كما هو الحال (بين البديع ومدينة السليل) فعلى مسافة مائتي كيل واكثر بقليل لا تشاهد الا ارضاً خالية، ولخلوها من محطات البنزين او المقاهي وأماكن الاستراحة تبدو وصلة نشاز أو نقطة مضنية ليس على المسافر فحسب وانما حتى على قواد الشاحنات المتسمين بألفة السفر وقبول الحياة وما تضمره من العنت ودواعي الترحال.. بقي أن أذكر المتابع بحفول الذهنية ممن له اطلاع او ولع بالمعرفية العربية شعرها وتمثلها فمنذ ما تصل الى محافظة (الخرج) مجنبا مغربا فاعلم انك في ارض التاريخ المتجذر للعرب والعربية المواقف الفاصلة والعشق وبيئة الرائع من خالد التأوهات والبلاغة وكذلك قيعان ومنابت ومناهل الفصحاء، انها صفحات ترتعش من حياة قيس وليلى وأماكن وأمثال تواعدهما والشواهد التي لازالت شامخة بكبرياء الوجود كجبل التوباد والهدار والمجازة الحوطة وما ينحدر من شعاب وأودية اليمامة ومنتجعات جرم وقيس وهلال وحنيفة ثم تتقدم فترى مناجع بني الأخيل وبعضا من خفاجة عقيل لتتذكر ليلى الأخيلية وتوبة بن الحمير وعرصات التراجيد الحزينة والمؤلهة في نفس الوقت ومن ثم تدخل العقيق الشهير اقصد : عقيق عقيل لأن في الجزيرة العربية أكثر من عقيق، ورد في الشعر وفي معاجم البلدان وتصعد مغربا تجاه وادي تثليث أو منطقة تثليث فتشمخ الاعلام وشواهد المناهل المعروفة منذ الجاهلية الأولى كمنهل (جرير) ومنهل (حبيه) وكلها وردت في أشعار الجاهليين والإسلاميين كعمرو بن معدي كرب وعباس بن مرداس والقحيف العقيلي وليلى الأخيلية وتوبة بن الحمير ولبيد بن ربيعة وغيرهم.. مشاهد ضاجة بالذكر المفعم. أما أروع امتداد هذا الطريق للمشاهد فهو الامتداد الذي يبدأ من حدود الجبال المتناثرة أو بداية المناخ السروي وذلك من حدود (تثليث) حتى النقطة الاخيرة من سفوح الجبال الشاهقة في عسير اذ يقل ان لا ترى شجرا أو قرية أو محطة ومكانا للراحة بين كل نقطة ونقطة. وكثيرا ما تمتلىء عيناك بتشكيلات من أسراب الطيور البرية في جزيرة العرب كالحمام والحجل ونوع آخر من أنواع الحمام يسمونه (الولع) لا يستوطن إلا الجبال وأماكن المياه، على أية حال سيظل هذا المشهد الذي يسر الكثير معطى حضاريا ملفتاً أما المبهج حقا فهو الحديث عن الحوضين بيشة وتثليث لورودهما في شعر الفحول المتقدمين من شعراء مذحج وهوازن وخثعم والازد ولكن المساحة لا تتسع ولعلني قد أشرت اليهما في كتاباتي المتقدمة لكن هذا لا يمنع ان اتحف القارىء مستقبلاً بما يذكره بالشعرية العربية وتأثير مواطنها الأصلية.