قال فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف الشيخ عبدالمحسن القاسم إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وأتقنه ودبر ما خلق فقدره وفتق السماء عن الأرض وزينها وجعل الليل والنهار آيتين فمحى آية الليل وجعل آية النهار مبصرة ، وجعل الليل بعد إدبار النهار آية من آيات الله الدالة على وحدانيته , قال عز وجل ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ) . أقسم الله بولوجه على النهار شيئاً فشيئاً من غير إفزاع للبشر فقال ( والليل إذا عسعس ) ، واقسم به إذا غشي الشمس حين تغيب ( والليل إذا يغشاها) . وإذا غطى الخلائق بظلامه ( والليل إذا يغشى ). وأقسم به إذا سكن وأظلم ( والليل إذا سجى ) . وإذا جمع ظلامه وأدلهم ( والليل وما وسق ) . وإذا كشف غطاؤه عن الخلق واستناروا( والليل إذ أدبر ) . وهو آية تُرى بالإبصار تدعو إلى تعظيم الله وإفراده ( ألم تر أن الله يُولج الليل في النهار ويُولج النهار في الليل ) . ورحمته من رحمته بعباده ( ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ) . وأوضح فضيلته أن تقليب الليل والنهار برهان على قوته وإحكام ملكه ، وبيّن عجز الخلق جميعاً عن أن يحولوا الليل نهاراً ( قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء ) . وتدبيره له بتقدير يجهله البشر ( والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه ) . والتفكر في تدبيره يدعو إلى عبادة الله وذكره وشكره ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلقه لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ) . وقال سبحانه ( الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ) . وهو داع إلى إيمان العباد بربهم ( ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصراً إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) . وأشار إلى أن في الليل يتثاقل أهل النفاق عن الطاعة فأثقل الصلاة عليهم صلاة العشاء والفجر وهو زمن التعبد النافلة فيه أفضل من نافلة النهار ، قال عليه الصلاة والسلام ( أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ) . وتعلق القلوب فيه بالله أرجى فأمر الله رسوله بالإكثار من الصلاة والتسبيح فيه (قم الليل إلا قليلاً) . واقتفى الصالحون أثره فكانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ، وفيه صلاة الوتر والله وتر ويُحب الوتر ، وصلاة آخر الليل مشهودة ومن صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله ، وفي الليل ساعة من مغيب الشمس لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله من خيري الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه. وفي الثلث الأخير منه ينزل ربنا إلى السماء الدنيا فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له وهو زمن تُرجى فيه توبة التائبين. وأضاف أن في صلاة الفجر تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار والقرآن نزل ليلاً (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) . وأفضل زمن لتلاوته هو الليل ، قال عز وجل (إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلاً) . وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر ، وأُسري بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلاً ، وفي الليل تطوى الأرض للمسافر ، والليل بظلامه مفزع ومن قرأ آيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه أي من الشرور وفي أول الليل تنتشر الشياطين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان جُنح الليل أي أوله يكف الصبيان فإذا ذهبت ساعة من الليل فخلوهم. وبين فضيلة الشيخ عبدالمحسن القاسم أن النوم من نعم الله الجسيمة يحتاجه الغني والفقير وبفضل من الله جعله يسيراً في كل مكان ويناله كل مخلوق بلا ثمن ليس بمتاع يحمله المسافر فيجهد ولا بذي ثمن فيفقد الفقير ثمنه فيحزن ولا ذي عرض يعجز الضعيف والصغير عن نقله ، تغمض العينان فترتفع الروح فينال الجسد الراحة والسكون ، قال عز وجل ( وجعلنا نومكم سباتاً ) ، وهو من آيات الله العظيمة الدالة على قوته وجبروته ، قال جل شأنه ( ومن آياته منامكم بالليل والنهار ) ، يُميت البشر بالنوم ثم يوقظهم متى شاء إذا شاء. وتابع يقول إن الله سبحانه قضى أن تكون نومة أهل الكهف ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً فكان ما شاء. وهو سبحانه حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم يسأله من في السماوات ومن في الأرض كل يوم هو في شأن قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل)، والشيطان يتخبط العبد في منامه ومن قرأ آية الكرسي قبل نومه لم يزل عليه من الله حافظ ولم يقربه شيطان حتى يُصبح. وقال إنه لا تشريع بالمنامات والرؤية الصالحة في النوم من الله والحلم من الشيطان فمن رأى رؤية صالحة فليحمد الله عليها وليحدث بها من يحب ومن رأى حلماً من الشيطان فليبصق عن يساره ثلاثاً وليتعوذ بالله من شرها وليتحول عن جنبه الذي كان عليه ولا يحدث بها أحداً فإنها لا تضره والنوم قسيم الموت ويُذكر به ، قال سبحانه ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ) . وكم من نائم مات في نومته. ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند نومه (إن أمسكت نفسي فأرحمها) . وإذا نام العبد عقد الشيطان على قافيته ثلاث عقد يضرب على كل عقدة ، عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان. وأفاد فضيلته أن الاستيقاظ بعد النوم نعمة من الله تُشكر وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ قال ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) . ودعوة المستيقظ من الليل مع الذكر مستجابة وصلاته مقبولة ، قال عليه الصلاة (من تعار من الليل – أي استيقظ – فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال اللهم اغفر لي أو دعا إلا أستجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته) . ومن نام ولم يستيقظ للصلاة حتى يُصبح بال الشيطان في أذنه. ، ومن استيقظ من نومه فليذكر الله وليغسل يديه ثلاثاً وليستنفر ثلاثاً فإن الشيطان يبيت على خيشومه. واختتم فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي خطبته بالقول إن السعيد هو من تفكر في خلق الأرض والسماوات واغتنم أنفس دهره بالقربات ودخل في ليله وخرج منه بالأعمال الصالحات ومجانبة السيئات. قال تعالى( وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار واتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ) .