على الرغم من الشعارات التي يرددها المسؤولون ونرددها كمثقفين وتتناولها القيادات بمختلف مواقعها الوظيفية التي ينادى فيها باللامركزية من أزمة البيروقراطية التي كان لها في مرحلة من تاريخ التأسيس قيمة وأثر فاعل في إرساء قواعد التنظيم سواء التنظيم للدولة أو حتى على مستوى أي قطاع مؤسسي فتاريخ النظم الإدارية يؤكد نجاح البيروقراطية ومركزية القرارات في معظم المسارات في مراحل التأسيس ،لكن المرحلة الحالية بكل معطياتها والتي تصنف المملكة العربية السعودية ضمن الدولة النامية أو حتى تجاوزنا هذا التصنيف بعض الشيء تتطلب من جميع القطاعات المؤسساتية حكومية وخاصة أن تتحول من مركزية التخطيط وصناعة القرار إلى المشاركة لا نقول الشعبية وهي ما يجب أن يكون حتى على نطاق المؤسسات الصغيرة، لكن فلنقل المشاركة العلمية المدروسة المبنية على قناعات ما لا يقل عن سبعين بالمئة من شريحة تركيبة القطاع أو المؤسسة، فمؤسساتنا وهي تتجه للحصول على شهادة الجودة وجامعاتنا وهي تتنافس للحصول على الاعتماد الأكاديمي، وخادم الحرمين الشريفين الملك الإنسان يطلب من أبناء شعبه مساعدته على تنيمة هذا الوطن ويفتح عقله وقلبه لهم، لازلنا في خضم كل هذه المعطيات نعاني سمفونية بعض المسؤولين الذين يخاطبون بيئات مؤسساتهم وكأنهم خبراء ولا يخفى عليهم من شؤون مؤسساتهم شيء، وينسون تماماً أن للإدارة قيم ومباديء ولها عناصر وضعها علماء الإدارة تطورت مع تطور وتقدم الزمان وتوسع مجالات المعرفة ونمو الذهنية العقلية لبني البشر، يغيب عن بعض المسؤولين النرجسيين أن أصغر موظف في دائرة العمل لديهم هو قادر على تفكيك وتحليل شخصية أي قيادي لأن العملية لم تعد تعتمد على النباهة أو الفتاكة أو الفهلوة كماكان يتعامل بها السابقون الآن أصغر الموظفين يستطيع أن يحسب حسابات المؤسسة ويدرك كيف يتم التعامل مع مدخلات ومخرجات العمل بضغطة زر واحدة على أحد أجهزة الكمبيوتر وبالنسبة للعقول فهي في كامل طاقتها الصحية لأن ألعاب الكمبيوتر وخاصة الألعاب التي تركز على تنمية مهارات التفكير جعلت لدى الجميع مهارة تفكير وتحليل عالية جداً إلا من رحم ربي، ممن لا يجيدون التعامل مع ألعاب (البلاي ستيشن) والانترنت، إن ما يقوم به بعض القيادات الإدارية من تغييب وتشويش وتضليل لذهنية الموظفين ليست في مصلحة المؤسسة، فما يلاحظ الآن من عودة للمركزية وبشدة لدى بعض القيادات يفسره الغالبية من موظفي بيئة العمل بأنه خلل يحتاج إلى تصحيح وإلا فإن آثاره السلبية على المؤسسات قد تؤدي إلى تدني مستوى ولاء الموظفين وتدفعهم إلى رفض العمل وهذا يؤثر على تنمية وتطوير العمل المؤسسي، في علم الإدارة يجب أن لا يخضع الموظف لأكثر من مدير يتابعه ويراقبه ويوجهه ويحاسبه، من هنا يعرف الموظف الجهة المسؤولة عنه ويؤدي بتوجيهات الرئيس المباشر له ، أما حينما يجد الموظف نفسه محاطاً بأكثر من مدير وأكثر من محاسب وأكثر من مراقب فسيرتفع لديه مستوى التشويش ، وتتضاءل لديه قيمة الولاء، وتزداد تجاوزاته لأنه كلما بعد مستوى الرقابة وتعددت مصادر الرقابة كلما تضاءلت المسؤولية تجاه العمل، وما يمارسه بعض المسؤولين القياديين من تمسك بالمركزية والإصرار على معرفة كل صغيرة وكبيرة في المنظمة رغم بعدهم عن أرض الممارسة الفعلية وطبيعة العمل يولد لدى الموظفين على مختلف مستوياتهم كما جاء في أدبيات الإدارة الاهمال والتقاعس عن أداء أعمالهم لأنهم يشعرون بعدم أهمية العمل فتصبح مسؤولية العمل عكسية بالنسبة للرقابة، كما أن هناك فئات ستعمل على الاصطياد في الماء العكر، ويحاولون التقرب من المسؤول على حساب زملائهم في العمل فنفوسهم الضعيفة ستدفع بهم إلى الكتابة ضد زملائهم ليحظوا برضىالمدير العام أو الرئيس غير المباشر والذي في أصل النظام هو ليس له سلطة لا يملك أن يكتب عنهم تقريراً للترقية أو الرفض لأن تسلسلهم الوظيفي لا يرتبط به مباشرة ، إلا إذا دخلت وسائل الشيطان في التأثير على الآخرين ضد موظف بعينه ، وليس كل الموظفين فهذا سيظهر عيوب المسؤول على الملأ وقد يفقد منصبه ، هذه احدى الصور التي يعاني منها المجتمع ، وهذا للأسف يعني أننا في مؤسساتنا الأمامية لا نتقدم بل نتأخر وما يمارس يدخل تحت المركزية المقنعة للأداء الإداري وهي تمثل خطورة كبيرة على نمو المؤسسة.