العدالة قف ببابها ملقياً السمع الذي يرتد إليك من أعماقها ويخلص إلى نفسك من بين حناياها.. وأركانها في صمت وخشوع واحترام. غير أن الرجع الذي يتردد بين الجدران صداه وتدوي تموجاته وهزاته أو بقاياه. إنها دار العدالة. وما تتلقفه أذناك إلا قطع من التأريخ تتأثر من حين لآخر. قضت المحكمة ببراءة خمسة موظفين في إحدى المؤسسات وأخر في جهة حكومية بالبراءة بعد أن حكم عليهم بالسجن سنة لكل واحد منهم وغرامة خمسين ألف ريال وكان أبطال الاتهام.. في هذه المؤامرة خمسة أشخاص وشاء القدر أن محكمة الاستئناف تظهر الحقيقة وتحكم ببراءة هؤلاء الرجال.. فلقد كان المتهمون شجعاناً في الدفاع عن انسفهم وإبداء الرأي والمرافعة لا يسعني إلا أن أذكر ميزان المترافعين وأهليتهم عندي هي مقدرتهم على أن يُدلوا بأدائهم ووجوه آرائهم دون أن يبعدوا عن جو الرضاء وحسن إصغاء القضاة ومقدرتهم على الرد على المدعين التي تعرضهم في هذا السبيل وهو الدفاع عن كرامتهم ولم يخشوا أن تُنشر سحابة أمام القاضي فتصرف أذنه عن حسن الإصغاء.. فهنا أقول لهؤلاء الرجال اذهبوا فإن قلوب العباد إذا ضاقت رحمتها كما فعل من ادعوا عليكم بهذه التهم.. فرحمة الله واسعة.. شملتكم في الحق فالقضاة الذين أخرجوكم بالبراءة مهدوا ذلك صفاء عقولهم. فلقد كانت قدرة الله ترعاكم. لأن الله لا يرضى بالظلم على المسلم أن هؤلاء القضاة استطاعوا إعادة الضوء في الشموع بعد أن أطمأنت لأن الجناية المطروحة على هؤلاء هي بدعة ارتج لها قلب كل مواطن... ابتدعوها أشخاص. فصمت الدهشة على الكل واستحكم الذهول في بعض العقول.. فيا أيها القضاة. قد حكمتم بالبراءة. وسيحفظ التاريخ حكمكم في هذه القضية ليكون آية من آيات العدل. أما أنتم أيها المتهمون الأبرياء. فقد همتم بحب بلادكم حتى أنساكم ذلك الهيام كل شيء حولكم لقد نسيتم كل آمالكم في هذه الحياة وقلتم إن السعادة في حب الوطن وخدمة البلاد.. فلقد أنصفتكم المحكمة فالقضاة لم يروا أنكم أرتكبتم جرماً وأن هناك حقيقة عرفها. عرفها قضاتكم. ويكفي بهذا الحكم شهد الناس وهي أنكم لستم مجرمين ولا فوضويين إنما أنتم مغرمون ببلادكم هائمون بوطنكم. فإن صوركم في البعد والقرب مرسومة على قلوب أهلكم وأصدقائكم وتقبلوا هذا الحكم بالبراءة باطمئنان. واذهبوا إلى بيوتكم بأمان.