لقد شهد التعليم في بلادنا الحبيبة في السنوات الأخيرة قفزات تطويرية طموحة تحققت من خلالها الكثير من البرامج والمشاريع الوزارية التي ترمي الى بناء الفرد بما يحقق خطط التنمية وبناء الإنسان السعودي الذي يقع على عاتقه بناء مجتمعه وتقدم أمته والمضي في مشوار السباق الحضاري . وقد ساهم في كل تلك الإنجازات دعم القطاع الخاص لمسيرة التعليم الوطنية ، ومساندة الخطط الوزارية والقيام بمسؤولية تربية وتعليم أبناء الوطن بدافع من المسؤولية الوطنية والاجتماعية . وقد قطع التعليم الأهلي في مكةالمكرمة شوطا كبيرا في مضمار الاستثمار في العقول البشرية على مستوى الوطن . ولعل ما تفردت به منظومة الفرقان الأهلية عن غيرها من مدارس التعليم الأهلي بمكةالمكرمة ليعتبر سابقة رائعة للمدارس الأهلية وذلك بإقامتها للملتقيات الحوارية للطلاب في مدارس الفرقان والفضل للبنين ، وفي مدرسة البتول للطالبات وبإشراك طلاب وطالبات من مدارس التعليم العام الحكومية. حيث بدأت المنظومة ومنذ عام 1425ه بإقامتها لملتقى حواري يتناول موضوعا تربويا واجتماعيا يعالج مشكلات تربوية وتعليمية واجتماعية بما يحقق أهداف تربوية وتعليمية قيمة . وتعتبر هذه الملتقيات -من وجهة نظري - امتدادا لما أسس له القائد العبقري الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله في إنشائه (لمركز الحوار الوطني) الذي يعمل على بث قيم ومبادئ الحوار بين كافة شرائح المجتمع والتي هي جزء أساسي من قيمنا وأخلاقنا الإسلامية ونشر ثقافة وقيم الحوار ... لنتفاهم ونتقارب ونعلو على السفاسف فيتدرب طلاب وطالبات العلم على أصول الحوار . ومع إنني استلم دعوة كل عام من سعادة المشرف العام على المدارس أ. فريد عمر سنان ومن سعادة المشرفة على مدارس البنات أ. نور عمر سنان فإنني لم أحظ بحضورها لكثرة انشغالي في هذه الفترة من العام الدراسي . ولكن قراري هذا العام بإلغاء كافة ترتيبات الخطة الشهرية وحضوري لهذا الملتقى كان قراراً صائبا حيث دهشت لما رأيت ليس فقط من مديرة الحوار الرائعة- رئيسة مركز الحوار الوطني في المنطقة الغربية - د. منيرة العكاس في حسن إدارتها للملتقى وتحفيز الطالبات على الحوار الهادف البناء الذي اتسم بالمصداقية والشفافية، ولكن من بناتنا الطالبات اللاتي اثبتن كفاءة حوارية فائقة من حيث صياغة الجمل والتعبير اللفظي السليم وإتزان الأفكار وصبغها بميزة الوسطية والاعتدال بل وتطبيقهن لآداب الحوار من حيث الإنصات للمتحدث واحترام الرأي الآخر وعدم المقاطعة أثناء الطرح بالرغم من تلقائية الأداء التي تنم عن فكر ثاقب اكتسبته الطالبات من خلال التربية المدرسية القويمة . وقد ناقش الملتقى هذا العام للطلاب: «الشباب .. والتصنيفات الفكرية» بينما ناقش ملتقى الطالبات (دور المؤسسات التربوية في بناء الشخصية المسلمة)، حيث طُرحت حلولا جذرية لمواجهة التيارات الفكرية المتنوعة ودور الأسرة والمدرسة والمعلم والمسجد والإعلام في مواجهة التحديات وبناء الشخصية المسلمة . كما ناقشت الطالبات مخاطر التقنية وكيفية استخدامها الاستخدام الأمثل ودور الآباء والأمهات في تحصين أبنائهم وحمايتهم من الوقوع في براثن الانحراف والضلال في متاهات الانترنت والتقنية الحديثة . وقد كانت هناك مداخلات من المشرفات التربويات والمديرات والمعلمات مما اثرى اللقاء وجعله مميزا . بل لقد كان هناك معرض فني مصاحب للملتقى يجسد قيماً ومبادئ أخلاقية إسلامية رائعة بل ومناهضة للبدع والسلوكيات الدخيلة على مجتمعنا ، وهي إبداع فني أصيل من أعمال طالبات المدرسة . وقد قدمت للحاضرات مجلة (إشراقة الفرقان) نسخة ورقية وإلكترونية - والتي تشرفت بالكتابة في أعدادها الثلاثة - بدعوة من سعادة المشرف على المدارس أ. فريد سنان . وفي الحقيقة فإنها أضحت ومضة تربوية نابضة بالحياة , ونشرة إعلامية تنافس أعتق المجلات التربوية والعلمية بمكةالمكرمة ، من حيث الموضوعات المطروحة وعلاقتها بالأوضاع الاجتماعية والتربوية الراهنة بالإضافة إلى أناقة التصميم وروعة الإخراج مما يجعلها إداة تثقيفية تتخاطفها الأيدي وتتلقفها العقول للاستزادة والاستنارة منها . ولعل ما أود أن اهمس به للقائمين على هذه المدارس عن ما تم وضعه هذا العام في أعلى شعار المدارس وهي عبارة (المنهج الأمريكي) وأظن أن المدارس بهذه العبارة تقصد جذب واستقطاب الطلاب والطالبات للدراسة لوجود بعض المقررات التي تستند على أساليب أمريكية حديثة في التدريس -حيث هناك فرق كبير بين معنى كلمة المنهج والمقرر .... وكان الأجدر أن تكُتب عبارة المنهج الإسلامي فنحن سباقون في كافة العلوم التطبيقية والإبداعية وعلماؤنا أمثال الخوارزمي وابن سينا والرازي قد طبقت شهرتهم الآفاق وتُدرس كتبهم في أوروبا وأمريكا - حتى الآن- فنحن أساس الحضارة وهذه بضاعتنا ردت إلينا ، ومعاذ الله أن نتخذ من التربية الأمريكية منهجا أو نموذجا في مدارسنا وتربية أبنائنا. ومع ذلك فقد أضحت منظومة الفرقان صرحا تربويا شامخا ينهل منه أبناء وبنات مكةالمكرمة شهدا طيبا يرتقي بالعلم والفكر والثقافة .... ونتمنى أن تتسع دائرة هذه الملتقيات الحوارية على نطاق اكبر في مدارسنا وان تشارك بها شرائح أخرى من المجتمع وأن يهيئ لها الإمكانات اللازمة لتحقيق أهداف مجتمعنا. فجزيل الشكر أقدمه لجميع القائمين على هذه المنظومة وجميع أفراد فريق العمل على حرصهم للنهوض بالتربية والتعليم إلى المستوى اللائق بهذا البلد الحرام .