لقد مر على الجزيرة العربية عصور ظلامية ساد فيها الجهل والتخلف ، وكانت شعوبها عبارة عن قبائل متناحرة تتطاحن على المرعى والعشب ، سادت بينهم عادات قبلية مقيتة كالأخذ بالثأر وقتل الأنثى لمحو العار... وغيرها من العادات التي شوهت حضارة المجتمع المسلم وأبعدته عن حقيقة الإسلام. وكان قطاع الطرق يجوبون البراري للسلب والنهب هذا فضلاً عما ساد في مجتمعاتها من عصبية قبلية ناتجة عن النعرات الطائفية والمذهبية التي كانت تمزق أوصالها. وعندما جاء الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - جمع شتات هذا الوطن في كيان موحد أطلق عليه المملكة العربية السعودية فقضى - رحمه الله - على كافة أشكال التمييز العرقي والطائفي والمذهبي لأنه اتخذ من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة دستوراً لأمته ومنهجاً لحياتها في كافة مجالاتها. فحل الأمن والأمان وتم القضاء على الأمية والتخلف والجهل وانتشر التعليم للذكور والإناث في كافة مناطق المملكة. وقد سار أبناؤه البررة على نهج القائد الموحد فأصبحنا مجتمعاً نقارع الأمم المتحضرة في قيمنا وأخلاقنا وفكرنا وثقافتنا. لأننا عدنا إلى قيمنا وأخلاقنا الإسلامية التي لا تفرق بين المؤمن وأخيه المؤمن كما قال تعالى :{... إن أكرمكم عند الله أتقاكم..» (الحجرات الآية 13). وقال عليه الصلاة والسلام : ( لا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود ولا غني على فقير إلا بالتقوى...). فجاء هذا الدين القويم للمساواة بين كافة أفراد المجتمع ونبذ كافة أشكال التمييز العرقي والمذهبي والقبلي. ومع أن المملكة العربية السعودية قارة في حجمها وفي تنوع سكانها ولكن هذا التنوع ينبغي أن يكون مصدر قوة لنا لا مصدر تفرقة ، فاستثمار هذا التباين من شأنه تعزيز الوحدة الوطنية ودعم التنمية بكافة أشكالها نحو غدٍ مشرق لنا ولأجيالنا القادمة. وما طرأ على مجتمعنا من تصنيفات فكرية مثل الليبرالية والعلمانية والسلفية.. تصنيفات غريبة على مجتمعنا فهي ليست في مقرراتنا ومناهجنا الدراسية حتى نقول إن شبابنا قد تغذى منها بل لم تكن موجودة عبر تاريخنا الإسلامي الطويل فحتى الأئمة الأربعة - رضوان الله عليهم-مع أن كل واحد له مذهبه وفكره ورأيه ومع ذلك كان كل إمام يحترم فكر ورأي من سبقه لظروف المجتمع الذي كان يعيش فيه وما يتطلبه من تجديد للفتوى والتفسير لأنه كان هناك اتفاق على الثوابت وأصول الدين. ولعل تلك التصنيفات راجعة إلى الانحراف الفكري لدى بعض الشباب والذين وقعوا في فخ الغلو والتطرف وإقصاء الآخر. وهو مرض فكري جديد أصاب مجتمعنا بفيروس معدٍ أتى من بيئات وجماعات مريضة فكرياً استغلت الشباب وتفكيرهم الغض وعملت على غسل أدمغتهم وهذا حتماً ناتج عن عدة عوامل من أهمها : - قلة الوعي الديني بأحكام الشريعة الإسلامية وقيمها ومبادئها ، ثم الفراغ الذي يعيشه بعض الشباب وعدم استغلالهم لأوقاتهم بما يعود عليهم بالنفع والفائدة ، كما أن انشغال الآباء والأمهات عن أبنائهم أتاح لهم فرص التواصل مع مرجعيات من مدعي العلم أو من مواقع مشبوهة على الانترنت. كما أن نقص المستوى التعليمي للشباب جعلهم فريسة سهلة للانقياد وراء التصنيفات الفكرية التي يقودها من يؤججون نار الطائفية والمذهبية والعرقية ويريدون النيل من الوحدة الوطنية لبلادنا ، ويتبعون سياسة فرق تسد لتحقيق مآربهم الدنيئة وإضعاف الأمة وتمزيق وحدتها. ولكن هيهات لهم.. هيهات.. فشعب المملكة العربية السعودية في عهد الملك الباني عبدالله بن عبدالعزيز شعب موحد في بوتقة الحب والولاء والانتماء. فهذا القائد الذي فتح أبواب الحوار الوطني على مصراعيه ، وقاد الحوار العالمي للحضارات ، وأسس لوحدة وطنية لا تنفصم عراها بقوى الشر ؛ قد اهتم –أيضاً- بالشباب لأنهم عدة الوطن ومستقبل الأمة ، فأنشئت مراكز للموهوبين والموهوبات وأندية رياضية وثقافية للشباب لاستثمار طاقاتهم وإبداعاتهم. كما وضعت لهم البرامج والأنشطة الهادفة التي تدعو إلى الوسطية والاعتدال مما أدى إلى انحسار كبير لظاهرة التطرف والغلو. كما أدرك شبابنا المخلص اهمية اللحمة الوطنية ووعوا واجبهم الوطني والأخلاقي في الدفاع عن كيان الوطن ووحدة ترابه وأرضه ، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة من مثيري الشغب ومؤججي الفتن متانة النسيج الاجتماعي في هذا الوطن والتفاف أبنائه حول قيادته ، وكل ذلك - قادر بإذن الله تعالى - على تحقيق الأهداف الوطنية الإستراتيجية في إيجاد كيان وطني موحد بعيد عن كل أشكال التصنيفات الفكرية والاجتماعية. أسأل الله أن يحفظنا ويحفظ شبابنا ووطننا من كل مكروه إنه ولي ذلك والقادر عليه.