لن يجد الزائر إلى مدينة الرياض هذه الأيام للحيرة مكاناً في النفس عندما يصطحب أفراد عائلته باحثاً عن الاستمتاع بإجازة الربيع فيها، حيث سيجد ما يلبي رغبة العائلة في مناشط وأماكن متعددة تزخر بها الرياض مخاطبة فيها مختلف الأعمار والأجناس دون استثناء، لكن نفحات الورد العطرة التي تنبعث من ساحة العروض بالطريق الدائري الشرقي، لها مذاق أسري من نوع آخر، حيث تحتضن فعاليات مهرجان “ربيع الرياض” الذي سوّرت حدوده بالتراث، وفُرشت أرضه بالطبيعة، وغُطي سقفه بالسماء. هذا المهرجان الذي سلطت فيه أمانة منطقة الرياض الضوء على غرس حب الورود في نفوس أفراد المجتمع، عد ّ أحد السمات المميزة لمدينة الرياض، فما أن تدلف لمقر المهرجان، إلا ويستقبلك عبق 250 ألف وردة ونبتة حولية تُزرع بالمملكة، مرصوصة في لوحة جماليّة يتجانس فيها 15 لوناً من ألوان الطبيعة على مساحة مستطيلة طولها 120 متراً وعرضها 16 متراً، في حين يحيط بها من جهاتها الأربع، 600 وردة “أراولية” تعود أصولها إلى “هولندا” لتطل من أحواضها متابهية بالورد المحلي. وهذه اللوحة الطبيعية،هي حصيلة ثلاثة أنواع من الورود،وأربعة من النباتات الملونة الحولية، حسبما أوضح المدير العام للحدائق وعمارة البيئة في أمانة الرياض المهندس توفيق الحماد، إذ أن ورود هذه اللوحة هي: البتونيا، وسلوزيا،والليسم،بينما نباتاتها الملونة تتضمن: الأمرانتس، والكوكيا، والفضية، والشاي، مبيناً أن جميعها ينبت في المملكة خلال فصلي الشتاء والصيف. وقال إن الملفت للنظر أن لوحة الورد قد تشكلت في وضعها الحالي بعد 60 يوماً من زراعة بذورها المختلفة،مشيراً إلى أن الورود أخذت زراعتها فترة ما بين 45 إلى 60 يوماً لتصل إلى لوحتها الفنية بالمهرجان. وأفاد المهندس الحماد أن أوراق الورد تتميز بدرجات ألوان تتمحور ما بين الأبيض، والبنفسج، والأحمر، والوردي، والأزرق، والأصفر، والبرتقالي، والأخضر، والبني، والفضي، وهي ألواناً ميز الله سبحانه وتعالى بها الورود لتضفي عليها بعداً جمالياً تعجز ألوان الرسم: المائية، والباستال، والأكريلك، أن تأتي بمثلها في مستوى درجة اللون. ومما يزيد من رونق هذه اللوحة الوردية ما يتوسطها من أشكال هندسية جذابة، أوضحت في تصاميمها التكوين الفني المتكامل للشكل الجمالي المبني على حُسن اختيار نوعية الورود والنباتات، وتوزيعها وفقاً لدرجات اللون وتناسقها مع بعضها البعض،والفراغات المحيطة بها، لتضاهي في تصميمها نظيراتها في الحدائق الملكية البريطانية “ كيو جاردن” التي أنشأت عام 1759م غرب العاصمة البريطانية لندن،متضمنة بين أسوارها الطينية العالية بنكاً عالمياً للبذور يحتوي على مليار بذرة من نباتات الأرض، إلى جانب العديد من النخيل العربية، ست منها أحضر من المملكة. ومن الطبيعي أن يجد الورد هذا الاهتمام من زوّار مهرجان “ربيع الرياض”، فعلاقة البشرية معه علاقة حميمية أزلية وقديمة قدم وجود الإنسان على سطح الأرض، عبّرت عن ذلك رسومات الإنسان للورد والزهور على الجبال، والصخور، وأواني الفخار التي كان يقتنيها على مرّ القرون، ممّا شكلت له إرثاً وجدانياً عميقاً ينبّض بالحياة، وعدّه غذاء الروح والعقل وزينة الطبيعة وشذاها. ولا تكاد تخلو مناسبة إلا وللورد حضوره،حيث يُضفي جو من البهجة والفرح على المناسبة، فالورود لغة بسيطة تزهد في كلماتها وتخرُج تعابيرها صافية من القلب إلى القلب دون أن تقرّ بحدود الزمان والمكان، وهي عالم له أصوله وأساليبه كما لألوانها دلالاتها ومعانيها،والمثل الصيني القديم يقول “اذا كان لديك رغيفان فبع أحدهما وأشتر بثمنه زهرة، فالخبز غذاء الجسم وأما الزهور فغذاء الروح”. وعلى الزائر للمهرجان أن يطلق عينيه للعنان مع أفراد أسرته، لترتع في مساحاته الشاسعة، فهنا ورود ونباتات ملونة، وهناك مسطحات خضراء متعة للناظرين وإطلالة للهائمين،وما بينهما مناشط متنوعة خصّص معظمها لتعليم تنسيق الزهور ونباتات الزينة وتصميم ديكوراتها الداخليه، يتخللها ممرات مُهّدت للزوار بمن فيهم المعاقين،ومن فوق ذلك سماء غائمة يرطّب غبرتها رذاذ الماء الذي ينعش الورد ما بين الحين والآخر، ويغسل النفوس من هُمومها. ومهرجان “ربيع الرياض” ، تنظر إليه أمانة منطقة الرياض على أنه أحد روافد الجذب السياحي لمدينة الرياض الذي يدعم صناعة السياحة المحلية، فتحرص في كل عام على تعزيز فعالياته بالجديد في الجوانب الثقافية والتعليمية والترفيهية، بحيث توجه لجميع أفراد الأسرة لتجتمع العائلات مع أبنائها في مكان واحد سواءً مواطنين أو مقيمين، ويستمتعون بقضاء أجمل الأوقات يومياً اعتباراً من الساعة الرابعة عصراً إلى الحادية عشر مساءً، حتى يوم الجمعة المقبلة. يذكر أنه بالرغم أن الصحراء برمالها الذهبية تشكل أربعة أخماس المساحة الجغرافية للمملكة العربية السعودية، إلا أن المملكة تميزت بجودة إنتاجها من الورود، التي اشتهر منها : الاقحوان، والقرنفل، والجوري، واستحوذت صادراتها من منطقة تبوك لوحدها على نسبة 20 % من انتاج الورد في العالم، لتدفع هذه المعطيات الجميلة الجهات الحكومية ذات الاختصاص إلى الاهتمام بالورد، وزراعته في مختلف مناطق المملكة التي تتميز بتنوعها البيئي، لتعزيز الصناعات الغذائية والدوائية والعطريّة التي تستخرج من الورد. وذكرت إحصائيات “بورصة الورد” في هولندا،أن العالم يستهلك ملياري وردة سنوياً، فضلاً عن 190 مليون نبات زهري،تمثل حجم تجارة الورود في هذه البورصة التي تنفذ 50 ألف صفقة يومياً، ويتم التعامل فيها من الولاياتالمتحدة إلى اليابان فأوروبا وأفريقيا، مخصصة لنقلها طائرات مجهزة،بعد أن يتم قطف الزهور وتنسيقها ونقلها في أوقات معينة،وفق دقة عالية.