يعيش العالم منذ بداية القرن الواحد والعشرين وتحديدا في هذه الفترة، واحدة من أشد الحملات الغربية التغييرية والتضييقية العنيفة، ذات الطابع السياسي المؤدلج التوجه في محتواه باسم العمليات التجديدية الإستراتيجية التصحيحية والتطويرية التنفيذية السريعة، آخذا هذا الطابع خطوطا عريضة مشوشة ومتأرجحة ومتناقضة في النوايا المطروحة للرأي العام بما يخص الشرق الأوسط بالتحديد، الذي لم يهدأ مما أصابه ويصيبه من تقلبات وهجمات تكتيكية تغريبية تدميرية وهيمنة تكالبت عليه عند بداية أو نهاية كل عقد منذ نهاية القرن المنصرم، مندرجا مغزى تلك العمليات تحت ما يسمى تسويفا بالحفاظ على الاستقرار والديمومة الحياتية، ومتلبسة شعارات أخلاقية وديموقراطية مفرغة بعيدة كل البعد عن حقيقة ما تحمله من إنسانيات شكلية، باطنها انتهازي واستحواذي وتقييمها الوزن بمكيالين لبسط الأيادي، وقد جر الكثير من تلك الاستراتيجيات والعمليات الويلات على الشعوب وعلى اقتصاديات واستقرار ونماء وإبداع الدول بين الفينة والأخرى. إلا أن الطابع والنهج الإبداعي الحر والنزيه والحصين، قد يظل الخط الأيدلوجي الوحيد الذي يحمل بصيص أمل للشعوب المستضعفة في العالم، التي تريد أن تنهض وتتخلص من الفساد الذي جثم على القلوب، وتكدست آثاره منذ أن هيمن ضلال وطغيان الاستعباد الحديث على مقدرات ومكتسبات الأمم والشعوب، ومع أن الإبداع وفلسفته الحديثة قد انطلقت من العالم الغربي بشكل ملحوظ، فهو يشكل نقطة صراع داخلي في النفس البشرية، تشكك في نزاهة النوايا الاستشرافية والرقابية الغربية على الدول الضعيفة النامية بعد تصديره إليها دون الظفر بمكاسب كبيرة وسيطرة مستديرة، وهو مما يجب الالتفاف حوله قبل وحينما وبعد أن تندفع الشعوب العربية نحو الإبداع الغربي بدون تركيز، كي لا تسقط وتتهاوى وتتأخر وتتساقط أوراقها كالخريف عند توقفها في محطات الشحن والتصحيح المفترض، التي أُريدَ أو يراد لها أن تتبلور من خلال ما يسمى بالربيع العربي الاستنزافي النوايا والرغبات أو الخريف العربي كتعبير أدق حينما يلحقه الشتاء العربي الجليدي الجاف الدامس الطويل المتوقع بلا استنبات ولا ورق جديد يتمثل بطلوع الربيع. فحينما تسترخي تتفرج الدول الغربية فترة وتتباكى أخرى على مصير الشعوب المظلومة في العالم العربي، لأنها تدقق وتفكر ومن ثم تلملم أوراقها وتستعد الدخول في التغيير بطريقتها المعتادة الانتهازية، إنما لديها الكثير من الخطط الانشطارية التي تطال كماً كبيراً من المواقع والأحداث، والتي تعطيها القدرة والفرصة على أخذ الأنفاس متى ما لم تصب الهدف بالمقاس، ولعل الواقع الحالي القريب قد برهن بروز خلخلة في المجتمعات العربية المستهدفة وإطلاق أحجار وصواريخ ملتهبة عليها لتأجيجها فيما بينها، ومن ضمنها فضائح ويكيليكس مدعوما بالإعلام المسيس، لإبقائها في حالة صراع مستمر وفوضى لتجفيف منابع الإبداع فيها، الذي إن انطلق بين ومن الفئات المحرومة، فسيربك المتوجسين فتكا بالمبدعين في تلك الدول النامية، ولن يتم السيطرة عليه بيسر إلا بالعنف والإرهاب والتكفير والفرقة والفتنة النائمة. وبالمقارن بما تُشعِلُه التوجهات والاستراتيجيات الغربية وخاصة الأوروبية وبأشكال مختلفة فيما بين الداخل في محيطها وبين خارجه، من ناحية نوعية إطلاق الصواريخ النارية الملتهبة على الدول العربية مثلا والنارية الاحتفالية الألعاب في داخلها، وبالذات في آخر جمعة من شهر سبتمبر من كل عام منذ سنة 2005 والذي يصادف 23 من سبتمبر هذا العام 2011، وبما يسمى بمهرجان ليلة الباحثينResearchers' Night في أوروبا، متخطيا هذا العام 800 موقع في 320 مدينة في 32 دولة أوروبية، والتي تهدف إلى تغيير الصورة النمطية المأخوذة عن انعزال وبعد الأبحاث عن حياة البشر بطريقة مباشرة، تكمن في وضع برامج تثقيفية من خلال إطلاق وعرض الأبحاث ومناقشتها وتحسسها بجميع أنواعها واختصاصاتها في المهرجان مع عامة الشعب، لتقوية الارتباط والحث على الولوج في عالم الإبداع والابتكار، لأن “من يملك العلم يُهَيْمِن ومن يملك الجهل يُخَمِّن”، وهو الهدف الذي تنتهجه سياسة الهيمنة والسيطرة الحديثة في تمكنها من قبض الإبداع ونشره، الجلي المعنى عند قلة من المبصرين في العالم العربي المشردين والمحبطين من جور الفاسدين والظُّلاَّم، الخفي عند الفاسدين القابضين على الإبداع لدفنه وعند الغافلين التابعين القابعين خلف أسوار الضلال والظَّلام لتجريده.