فاضل أحمد العماني - الوطن السعودية عام 2012، سيحدد بلا شك مستقبل هذه الثورات العربية، رغم تعرضها هذه الأيام لاختبارات عسيرة وتحديات صعبة تجعل من نجاحها واستمرارها مرهونا بعوامل واعتبارات داخلية وخارجية أيام قليلة فقط، ويُسدل الستار على 2011، هذا العام الاستثنائي الذي يُعتبر الأهم والأخطر من عمر الوطن العربي في عصره الحديث. نعم، خلال القرن الماضي، مرت الكثير من الأحداث والمواقف الكبرى في فترات مختلفة ومتباعدة شكلت وجه هذه المنطقة الملتهبة من العالم، ولكن يبدو أن عام 2011 هو الأكثر بريقاً واشتعالا وإلهاماً في ذاكرة العالم العربي، خاصة لدى المواطن العربي البسيط الذي أعاد له هذا العام شيئاً من كرامته وعزته وحريته. لقد اختصر هذا العام الرائع الكثير من طموحات وأحلام وتحديات الأجيال العربية المتلاحقة التي عاشت فترات عصيبة، وعاصرت بمرارة فشل كل المشاريع والمبادرات التقدمية والتنويرية التي ناضل من أجلها الرواد والمخلصون من حملة الفكر والثقافة والسياسة، بل كانت أي تلك الأجيال العربية شاهدة على عصر عربي مترد ومتدهور يعج بالصراعات والاحتقانات والانكسارات والهزائم. لقد تكسرت كل مجاديف الأمل التي حلمت بها الشعوب والمجتمعات العربية في تلك البلدان التي شهدت الربيع العربي، من الأوضاع المعيشية الصعبة، وتنامي حالة الاستبداد والجشع، وغياب تام لمظاهر الحرية والعدالة والمساواة. لقد استطاع هذا العام الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة أن يُعيد تشكيل خارطة الوطن العربي من جديد، خارطة تتقاطع وتتداخل تفاصيلها وفقاً لطموحات وتطلعات الإنسان العربي البسيط الذي يستحق حياة كريمة بعد كل تلك العقود البائسة. لقد وجدت تلك الشعوب والمجتمعات ضالتها التي كانت تبحث عنها طويلاً في هذا العام الفريد، الذي اعتبرته كطوق نجاة بعد أن تقاذفتها أمواج المحن والبؤس والظلم والفقر والبطالة والديكتاتورية لعقود طويلة. عام 2011 بالنسبة لتلك الشعوب فرصة كبيرة للتغيير والإصلاح والتحرر، فهي قد سئمت حياة الكبت والجمود. كرة الثلج التي قذفتها الثورات والاحتجاجات العربية المتلاحقة والمتسارعة تتدحرج بكل قوة وعنفوان لتكتسح كل من يقف في طريقها من نظم وأيديولوجيات وأفكار وقيم انتهت فترة صلاحيتها منذ زمن طويل، بدءًا من ثورة الياسمين الرائعة في تونس، مروراً بمصر وليبيا واليمن، وهي كما يبدو لن تتوقف عند تلك المحطات المهمة، بل ستواصل مسيرتها الخالدة في سورية، بمباركة الشعوب العربية. لقد بشر عام 2011 بنظام عربي جديد سيؤسس لثقافات وسلوكيات وقيم جديدة ترتكز على مبادئ ومفاهيم حقيقية، تاهت للأسف الشديد في زحمة الانقلابات العسكرية التي دشنتها فترة خمسينيات وستينيات القرن الماضي، إضافة إلى تفشي ظاهرة الاستبداد، سواء السياسي أو المجتمعي أو الديني. لقد جاء عام 2011 ليصوغ أفكاراً ورؤى واستراتيجيات جديدة تتناسب وخطورة هذه المرحلة الاستثنائية من عمر العالم العربي، بل والعالم أجمع. أيام قليلة فقط، ويبدأ عام 2012 مشواره الصعب جداً بعد عام صاخب وحافل، ولا مثيل له على الإطلاق في تاريخ العصر العربي الحديث، فالشعوب والمجتمعات العربية تتطلع إلى الكثير من المكاسب والاستحقاقات التي تحقق الجزء البسيط منها. نعم، أزيح الكثير من الأنظمة والأحزاب المستبدة التي جثمت على صدور المجتمعات العربية لعقود طويلة، وغابت الكثير من الوجوه والأسماء الفاسدة من مشهدنا السياسي والاجتماعي، وأزيل الكثير من الأفكار والأيديولوجيات المتخلفة. نعم، حدث كل ذلك وأكثر، ولكن التحديات والصعوبات مازالت كثيرة وكبيرة، بحجم المعاناة الطويلة والقاسية التي تعرضت لها الشعوب والمجتمعات العربية. فهناك الوضع الاقتصادي المتدهور الذي تُعاني منه غالبية الدول العربية، وصعود طبقة سياسية انتهازية تُجيد ركوب كل الموجات، بل هي تمتهن سرقة استحقاقات الغير بكل حرفية ومهنية، لتستثمر بوقاحة وخسة كل تلك التضحيات الكبيرة التي سُفكت على مذبح الحرية. أيضاً، ضعف بل غياب التجربة الديموقراطية الحقيقية عن فكر ومزاج المواطن العربي بكل مستوياته، لأنه نشأ وترعرع في بيئة تُسيطر عليها نُظم وأحزاب وتيارات أحادية لا تعترف بالآخر، بل على العكس تُمارس بحقه كل صنوف التهميش والإقصاء والتمييز، لذا غابت بوضوح كل مبادئ ومفاهيم وقيم الديموقراطية المتمثلة في الحريات والحقوق والعدالة الاجتماعية والمساواة وكل أدبيات وبروتوكولات الحياة الديموقراطية، أو يمكن التعبير عنه بمصادر ومعطيات الحياة الكريمة التي يبحث عنها المواطن العربي منذ عقود طويلة. بلا شك، سيُشكل عام 2012 فارقاً زمنياً ونوعياً مهماً في مسيرة الإصلاح والتغيير التي تجتاح الوطن العربي من محيطه لخليجه، وما حدث خلال العام المنصرم من تحولات وتطورات كبرى طالت العديد من النظم والأحزاب والأيديولوجيات والأفكار والقناعات والمسلمات مما جعل هذه المنطقة المضطربة التي يهتم بها العالم تتصدر المشهد الدولي، بل أصبحت محرضاً وملهماً لبعض المجتمعات الغربية التي وجدت في حمى الثورات والاحتجاجات العربية مثالاً رائعاً يمكن محاكاته والاقتداء به والاستفادة من وهجه وبروزه. عام 2012، سيحدد بلا شك مستقبل هذه الثورات العربية، رغم تعرضها هذه الأيام لاختبارات عسيرة وتحديات صعبة تجعل من نجاحها واستمرارها مرهونا بعوامل واعتبارات داخلية وخارجية. إن ما يحدث في مصر الآن يُثير المخاوف والشكوك في إمكانية صنع ثورة عربية ناجحة تُحقق ما يحلم به المواطن العربي، وهو حلم بسيط وصغير جداً، رغيف من الخبز وشيء من الحرية.