أمير القصيم يثمن جهود القضاء.. وينوه بجهود رجال الأمن    عندما يفكر الحديد!    رفع الإيقاف عن أراضي شمال الرياض يعزز استقرار الأسعار والتوسع في التطوير    تغير صادم لرائدة الفضاء العالقة    Microsoft توقف عدة تطبيقات    ماذا يعني اكتساح دونالد ترمب ؟    أوروبا وشهر الزعل..    عودة ترمب.. ذكاء الجمهوريين وخيبة الديمقراطيين !    41 شهيداً بينهم 13 طفلاً بقصف إسرائيلي على غزة    الزعيم صناعة اتحادية    لصوص الطائرات !    تعليم الطائف يستهدف إثراء مهارات وقدرات حراس المدارس    د. القناوي يشكر القيادة    أمير حائل يستقبل وزير الثقافة    وزارة الإعلام تقيم «واحة الإعلام» في نسختها الثامنة    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    «وقار وصحة» ترعى كبار السن في القصيم    الأخضر يدشن تحضيراته في أستراليا    مانشستر يونايتد يودع فان نيستلروي    ولي العهد والرئيس الإيراني يستعرضان تطور العلاقات بين البلدين    وقف الحروب اختبار لترمب المختلف    من الكتب إلى يوتيوب.. فيصل بن قزار نموذجا    اختتام فعاليات ملتقى الترجمة الدولي 2024 في الرياض بحضور أكثر من 3000 زائر و50 خبيرًا محليًّا ودوليًّا    إحالة ممارسين صحيين للتحقيق    محافظ الطائف يستعرض مع مدير فرع وزارة النقل المشاريع المنجزة والحالية    هيئة الأفلام وتجربة المحيسن.. «السينما 100 متر»    الذكاء الاصطناعي بيد الحمقى والتافهين    شرطة جدة تقبض على مخالفيْن لنظام الحدود لترويجهما «الحشيش»    إدانة واسعة للهجوم على معسكر التحالف في سيئون واستشهاد ضابطين سعوديين وإصابة آخر    209 طلاب يتنافسون على الجامعات الأمريكية    ضبط أكثر من 826 مخالفًا لممارستهم نشاط نقل الركاب دون ترخيص في عددٍ من مطارات المملكة    محافظ الطائف يستقبل إدارة جمعية الرواد لإدارة الأزمات والكوارث والدعم    جامعة أم القرى تبدأ استقبال طلبات التقديم على برنامج دبلوم الفندقة والضيافة    35.4 مليار ريال حصيلة اتفاقيات ملتقى بيبان 24    أمير الشرقية يطلع على مشاريع شركة المياه الوطنية لربط البيضاء بالمياة    المملكة.. ثوابت راسخة تجاه القضية الفلسطينية والجمهورية اللبنانية    استخراج جسم صلب من رقبة شاب في مستشفى صبيا        نائب وزير الخارجية يلتقي نائب وزير الخارجية الإندونيسي    الغامدي والعبدالقادر يحتفلان بعقد قران فراس    أمير القصيم يكرّم وكيل رقيب الحربي    «مجلس التعاون» يدين الاعتداء الإرهابي الغادر الذي استهدف قوات التحالف في سيئون    منسج كسوة الكعبة المشرفة ضمن جناح وجهة "مسار" بمعرض سيتي سكيب العالمي المملكة العربية السعودية    الأمريكية "كوكو جوف" بطلة الفردي في نهائيات رابطة محترفات التنس    الرئيس الموريتاني يزور المسجد النبوي    بلدية محافظة الشماسية تكثف جهودها الرقابية لتعزيز الامتثال    برعاية خالد بن سلمان.. وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين    التفاؤل بفوز ترمب يدفع «S&P 500» لتسجيل أعلى مكاسب أسبوعية    ضمك يتغلّب على الوحدة بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    الحزم يزاحم نيوم على صدارة يلو    «ألفا ميسينس».. تقنية اصطناعية تتنبأ بالأمراض    5 نصائح لحماية عينيك من الالتهاب    يجوب مختلف مناطق المملكة.. إطلاق «باص الحِرفي» للتعريف بالفنون التقليدية    مراسل الأخبار    وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين نوفمبر الجاري    فطر اليرقات يعالج السرطان    استحالة الممكن وإمكانية المستحيل    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بحثاً عن قيادة للدول النامية
نشر في الحياة يوم 16 - 04 - 2012

اهتم الإعلام الغربي بالقمة الرابعة لرؤساء دول مجموعة «البريكس» التي انعقدت في نيودلهي مؤخراً، ولكنه اهتمام من نوع غير مألوف، إذ انقسم المهتمون بالقمة إلى تيارين: تيار اهتم بالحدث باعتبار أنه تطورٌ ستكون له تداعيات بالغة الأهمية على النظام الدولي، وبخاصة النظام الاقتصادي الدولي، وتيار اهتم بمراقبة التيار الأول وتحليله وانتقاده، اهتم بدراسة دوافع الاهتمام بانعقاد قمة رؤساء مجموعة من الدول، قمة لن تقدم ولن تؤخر، ولا تمثل خطراً في أي اتجاه. ودليل هذا التيار ضعف اهتمام الرأي العام العالمي والمسؤولين في الدول العظمى، ليس فقط بهذا الاجتماع بل وبالظاهرة كلها، ظاهرة السعي لتشكيل مجموعات من الدول تنافس المؤسسات والتكتلات المتعارف عليها دولياً أو لتعيش على هامشها.
أخذت مجموعة «البريكس» المشكّلة من البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا، أكثر من عشر سنوات وأربعة مؤتمرات قمة لتتبلور كجماعة دولية، لا هي منظمة أو مؤسسة ولا هي أيضاً توقفت عند مستوى فكرة ابتدعها جيم أونيل أحد الخبراء الاقتصاديين العاملين في مؤسسة غولدمان ساكس، بينما يقول بعض المسؤولين في روسيا إن الفكرة في أساسها روسية، وتعود إلى أيام الحوار الاستراتيجي الصيني-الروسي-الهندي الذي دعت إليه موسكو قبل عقد من الزمان، ثم انضمت إليه البرازيل في القمة الأولى عام 2009 التي انعقدت في روسيا، وتلتها قمة في برازيليا في 2010 والثالثة في الصين في العام الماضي.
يقول أنصار «البريكس» إنها ليست منظمة إقليمية مثل الاتحاد الأوروبي أو الجامعة العربية وليست منظمة نوعية مثل منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك)، وإنما هي جماعة من الدول تسعى للعالمية ليس فقط بحكم تطلعاتها وأهدافها ولكن أيضاً بحكم مواقعها، اثنتان منها تقعان في آسيا وواحدة في أوروبا، وبدقة أكبر في أوراسيا، والرابعة في أفريقيا والخامسة في أميركا اللاتينية.
يقولون أيضاً، إن هناك وحدة في مواقف أعضاء الجماعة من قضايا كثيرة، منها رفض سياسات التدخل في الشؤون الداخلية للدول النامية، بل إنها لا تخفي أن لديها شكوكاً في نيات دول غربية متقدمة تجاه الدول العربية وإيران. ترفض جميعها خرق السيادة تحت أي عذر، حتى لو كانت دوافعه إنسانية، وترفض سياسات فرض الحصار الاقتصادي على أي دولة، وتعترض على المواقف الغربية المتهمة بالإهمال أو اللامبالاة تجاه مستقبل أفغانستان.
قد تكون القمة الرابعة أهمَّ قمة عقدتها مجموعة «البريكس»، ففي هذه القمة خطت دول المجموعة خطوة واسعة نحو وضع بعض ملامح الأجندة الاقتصادية للمجموعة. من هذه الملامح الاتفاق على أن يكون للمجموعة ما يشبه سلة اقتراض برؤوس أموال «محلية»، أي من عملات دول المجموعة وليس بالدولار أو اليورو أو الين الياباني. ولا شك في أن دول المجموعة حين اتخذت هذا القرار كانت تبعث برسالة للعالم فحواها أنها خطت الخطوة الأولى «باسم العالم النامي» نحو تخفيف قبضة الهيمنة الاقتصادية الغربية على الاقتصاد العالمي.
أعلنت أيضاً النية في إنشاء مصرف للتنمية مستقل عن البنك الدولي وصندوق النقد العالمي وغير خاضع لأي اعتبارات نابعة من اتفاقات «بريتون وودز» التي وضعت أسس النظام الاقتصادي العالمي الراهن. هذه أيضاً حملت رسالة من مجموعة «البريكس» إلى قيادة النظام الاقتصادي العالمي تقول فيها إنها تشترك مع كثير من الدول النامية التي يئست من انتظار أن يقوم كل من البنك والصندوق الدوليين بإدخال الإصلاحات التي كثيراً ما طالب بها العالم النامي، ولذلك جاء في بيانها الصادر عقب اجتماع نيودلهي نص يشير إلى الحاجة العاجلة إلى أن تكون المؤسسات الدولية والوضع الاقتصادي العالمي ممثلاً صادقاً لحقيقة الأوزان الاقتصادية، وكذلك الحاجة العاجلة إلى زيادة صوت وتمثيل الأسواق البازغة والدول النامية.
ولم تكن هذه المجموعة لتزداد إصراراً على احتلال مكانة مناسبة في قيادة الاقتصاد العالمي لولا وقوع الأزمة المالية التي بدأت في الولايات المتحدة واتسعت دولياً. لقد كانت الأزمة الإنذار الأقوى الذي تلقته الدول الناهضة كافة عن خطورة الانسياق وراء هيمنة القوى الغربية على الاقتصاد العالمي. تقول ديلما روسيف رئيسة البرازيل، إن الأزمة المالية العالمية تسببت في «تسونامي نقدي عندما اتبعت الدول الغربية سياسات وضعت بمقتضاها الاقتصادات البازغة في موقع تنافسي غير عادل». لذلك كانت قمة «البريكس» في الهند فرصة لتقول دول المجموعة إنها لن تتردد في ترديد تهديدها بعدم الاستجابة لطلبات الصندوق والبنك الدوليين للمساهمة في حل أزمة الديون السيادية في أوروبا، إلا إذا حصلت دول المجموعة على قوة تصويتية أكبر في الصندوق.
يقول بعض الاقتصاديين من الذين اهتموا بصعود مجموعة «البريكس»، إن مؤشرات كثيرة كانت تشير منذ أكثر من عشر سنوات إلى أن العالم النامي يبحث عن قيادة جديدة ترفع عنه بعض الضغوط التي تمارسها القوى الكبرى والعظمى. مؤشرات أخرى كانت تشير إلى أن الدول الغربية ذاتها بدأت تشعر بأن بزوغ قوى جديدة في العالم النامي يوشك أن يؤثر بالضرر على تفوق الغرب وهيمنته. ظهر مثلاً أن سياسات نقل الوظائف غير الماهرة ليقوم بها عمال في دول العالم النامي عادت بزيادة في نسب البطالة في المجتمعات الصناعية المتقدمة. ظهر أيضاً أن الثورة التكنولوجية والالكترونية توسعت وتقدمت في دول العالم النامي أحياناً بنسبة تفوق نسب توسعها وتقدمها في دول الغرب، فضلاً عن أن دولاً نامية كثيرة تقدمت فيها الصناعة إلى حد قلل من اعتمادها على الصادرات الغربية. يبدو كذلك أن الإصلاح السياسي الذي أقدمت عليه بعض دول في العالم النامي مهَّد فعلاً لرفع مستوى المعيشة وزيادة معدلات النمو الاقتصادي وشجع هذه الدول على التمسك باستقلالية قراراتها الاقتصادية. المؤكد أنه لم يعد جديداً على أسماع قادة الغرب الاستماع إلى تصريحات وخطب يدلي بها قادة سياسيون من دول العالم الناهض ولسان حالهم يقول إن بلادهم تتقدم حثيثاً على طريق الحرية ولن يتجاسر حكام الغرب في السنوات والعقود المقبلة على الاستمرار في سياسات الضغط على العالم النامي.
ولا تخفى أحجام العقبات التي تتصدى لهذه الأحلام الكبرى وعددها من جانب النخب الحاكمة في الدول الصاعدة، فهناك بلا شك فعلاً اختلال في الميزان التجاري بين دول المجموعة لصالح الصين، ولا يوجد ما يشير إلى أن إصلاح هذا الاختلال يمكن أن يتحقق في الأجل القصير. كذلك تكاد الصين تحتل موقعاً قيادياً يجعلها عضواً غير عادي في المجموعة، فالأغلبية تعتمد على صادرات الصين، ولم يعد خافياً أن الصين تتعامل الآن مع دول العالم كافة باعتبارها القوة الاقتصادية الثانية في العالم، وهو واقع لا تستطيع الدول الأخرى في «البريكس» تجاهله. نعرف، من ناحية أخرى، أن المشكلات الثنائية بين دول في المجموعة، وبخاصة في آسيا، لم تجر تسويتها بعد. هناك خلافات على الحدود بين الصين والهند مستمرة منذ رفضت الصين التصديق على اتفاقية سيملا الموقعة في عام 1914 بين الصين وبريطانيا بصفتها السلطة المسؤولة آنذاك عن الهند. توجد كذلك خلافات بين الصين وروسيا، وخلافات متوقعة على مستقبل أفغانستان، الدولة التي تقوم على طول حدود طويلة مع الصين وتربط تاريخها بتاريخ الهند مسائل كثيرة، وبعضها شديد التعقيد.
انفضت قمة «البريكس» في الهند لتبدأ الاستعدادات لعقد قمة دول عدم الانحياز في إيران. المقارنة مثيرة بين قمة أغلب أعضائها يعتبرون أن مجموعتهم احتلت، أو على الطريق لتحتل، موقع القيادة في عالم الدول النامية وبين قمة أغلب أعضائها يبحثون عن قيادة تعيد لمجموعتهم بعضاً من رونق ومجد حين كانت عنصراً أساسياً في تحقيق الاستقرار الدولي.
المؤكد الآن وربما لسنوات قادمة، هو غياب العرب، كل العرب، عن مواقع القيادة والتوجيه في مجموعة حركة عدم الانحياز وتقصيرهم الفادح في إثبات وجودهم في مجموعة سبق أن ساهم بعضهم بإبداع وحكمة في تأسيسها.
كثيرون بيننا لا يعرفون أن دولة عربية كانت على رأس هذه المجموعة خلال العامين الماضيين، هذه الدولة هي مصر، التي تستعد الآن لعقد مؤتمر وزراء خارجية يمهد لنقل الرئاسة إلى إيران. لا يبذل القادة العرب جهداً يذكر لقيادة مجموعة الدول النامية أو توجيه مسارها في المستقبل، وأظن أنهم لن يفعلوا. في هذه الحالة سيكون من الأفضل للشعوب النامية، ومنها الشعوب العربية، أن تدعو مجموعة «البريكس» لتتسلم زمام حركة عدم الانحياز بالتعاون مع رئاستها الدورية أو من دونها. أمامنا فرصة قد لا تتكرر. العالم قسمان، قسم أغلبه في شمال العالم مكبل بالأزمات المالية والاقتصادية ومعبأ بنذر تقلبات اجتماعية ويعيش تحت سماء ملبدة بغيوم التشاؤم، وقسم آخر أغلبه في جنوب العالم يحطم الأغلال ومشحون بطاقة تغيير وتقدم هائلة ويخطو خطوات واسعة نحو مستقبل أزهى وأبدع ويعيش تحت سماء صافية وبهجة شمس تنشر التفاؤل. وما على قياداتنا إلا الاختيار.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.