في كل أزمة تتضح معالم خيانة الدول العظمى للحلفاء الصغار، مهما كانت سنوات ومكاسب هذا الحلف، وفي كل أزمة يظهر الوجه القبيح، ويسقط القناع عن الدول الكبرى التي تطالب بالديمقراطية والعدالة والحرية، ولكنها تقذف بكل المبادئ جانبًا عند المحك، وتتجه للخيانة والانقلاب إلى الضد بطريقة ابتزازية غير شرعية. خيوط الخيانة واضحة، وجلية أمام دول العالم الإسلامي التي اكتوت بنار الخيانة من الدول التي وثقت بها ، وأصبح الوضع يحتاج إلى التفاف الدول الإسلامية، والاتفاق على قرار سياسي واحد يحميها من صلف وغرور وكبرياء هذه الدول، التي تستغل المواقف وتمارس من خلالها أساليب لي الذراع ، بطريقة فرّق تسد. تعالوا إلى كلمة سواء ، ونفكر في عالمنا الإسلامي، ومدى إمكانية تكوين رابطة حقيقية تجمع ولا تفرق ، وتضمن لشعوب هذه الدول العيش الكريم، بعيدًا عن لعبة السياسة التي لا يأمن جانبها، وبعيدًا عن المذاهب والنحل التي فرقت المسلمين لبضع وسبعين فرقة وكل فرقة تعتقد أنها الفرقة الناجية، ماذا يحدث لو اتفقت الدول الإسلامية على توحيد قرارها السياسي؟ ماذا يحدث لو تقاربت القوى الإسلامية الكبرى في بوتقة واحدة وشكلت تكاملاً اقتصادياً بدلاً من الشتات والفرقة التي يستفيد منها خونة التحالفات الوهمية؟ لو تصالحت إيران وتركيا والسعودية ومصر وباكستان وإندونيسيا، فإن بقية الدول الإسلامية لن تشذ عن الركب، ولو قرروا التوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية، والتوقف عن دعم المجموعات الإرهابية ، والتوقف عن تسويق الثورات التي أضرت بمصدرها أكثر من المستهدفين ، والتخلي عن تموين الميليشيات المنشقة ، ولو اتجهوا للصناعة والطب والزراعة والسياحة والثقافة والرياضة والسباق العلمي والمعرفي فماذا يحدث؟ ينتج عن هذا الاتجاه بناء مجتمعات مسالمة مثقفة ومتطورة ، وتنتج وحدة قوية في داخل كل دولة مسلمة، ووحدة شاملة بين كل الدول الإسلامية، ومن ثم حصر تعامل خمس وخمسين دولة إسلامية فيما بينها في المجالات النفعية ، وحصر التعامل مع الدول الكبرى في التعاملات الاقتصادية والتعليمية فقط، مع الانسحاب الجماعي من مجلس الأمن ، والأمم المتحدة، ،واختصار التمثيل الدبلوماسي مع الدول الكبرى ، وقطع العلاقات نهائيًا مع أي دولة تفرض عليهم وصاية أو تسعى للتدخل في الأوضاع الداخلية. الدول الإسلامية تحتاج للتحرر من عقدة التشرذم والخيانة، من أجل الوصول للتخلص من غدر وخيانة الدول الكبرى لها، وبحاجة إلى التفكير بهدوء وصدق بعيدًا عن النوايا الطائفية المشوهة للدين الإسلامي، والنوايا السياسية الغادرة ، وبعيدًا عن التمدد الوهمي، وبحاجة إلى تجربة توحيد المواقف، بحيث إذا تعرضت أي دولة إسلامية لخيانة حليف كبير، أو تدخل خارجي، أو داخلي، يقف الجميع بقوة وبدون أي مساومات، ويكون الجميع حاجز دفاع ضد أي أساليب الابتزاز و البطش والعنجهية. منذ وعد بلفور 1917 كان العالم الإسلامي بحاجة للوقوف صفًا واحدًا كالبنيان، حتى لو وصل الأمر لقطع العلاقات الجماعية مع بريطانياوفرنسا، وبقية الدول التي ساندت قرار الفتنة، الذي دفعنا ثمنه فيما بعد من خلال اتفاقية سايكس-بيكو التي قسمت الهلال الخصيب بين فرنساوبريطانيا ، وعندما تكشفت بنود الاتفاقيات السرية للدول الطامعة التي ترغب اقتسام الكعكة ، حاول الطرفان تبرير تصرفاتهما من خلال كتاب تشرشل الأبيض سنة 1922 ، ولا زالوا يتكالبون على القصعة إلى الآن. من بداية اتفاقية سايكس-بيكو 1916 ثم وعد بلفور 1917، كان النتاج شرذمة الأمة الإسلامية، واستعمارا مذلا، ووصلا إلى ما قامت به أمريكا في العراق من تفتيت ، وتحويل الجيش بكل قياداته وأفراده إلى عاطلين عن العمل ، ثم تسليم الحكم لبول بريمر ليكون حاكما للعراق ، وسط فرجة مذلة للعالم الإسلامي، ثم غادر الحاكم الأجنبي ومنح إيران حرية التصرف في العراق فبدت أطماع إيران ونواياها من خلال زرع القلاقل والفتن والتدمير والتهجير في العراق وسوريا ولبنان واليمن ثم إعلان احتفالية سقوط رابع عاصمة عربية. لو وقفت الدول الإسلامية بقوة ضد سايكس-بيكو، ووعد بلفور لما وصلنا إلى هذا الحال، ولو وقف العالم الإسلامي ضد إيران بتدخلاتها السافرة في الدول العربية لما وصل الحال إلى هذا الضعف والوهن، ولو كانت قلوبهم عامرة بالإيمان لما أصبحت السعودية ومقدساتها مهددة بعقوبات، وقريبًا ستصدر عقوبات قوية ومؤثرة لإيران، وتركيا سوف تتعرض لمثلها لاحقًا، لأنهما ارتضيا بالتبعية والانقسامات وأذناب البقر فسلط الله عليهما من لا يخافه ، ولأنهما يبحثان عن رضا الدول الكبرى ولن ترضى عنهم. الأزمات المتتالية ، والدوامة المؤلمة للعالم الإسلامي تستدعي العودة للاتحاد ، وعند اتحادهم سيكون أرنولد تونبي بنظريته الشهيرة أول من يدفع بهم للتحدي الكبير، وأول من يكتب بداية عصرهم، شريطة الاتفاق مع إسرائيل على بنود مبادرة 2003 للسلام العادل، والاتفاق مع كل الفرقاء على لغة واحدة، وعدم التعرض في منابرهم ، وحوزاتهم للكفار والنصارى واليهود فمشيئة الله هي التي تحدد مسارات الجنة والنار وليس البشر.