للمطرِ وسكانِ جدةَ علاقةُ عِشقٍ فالمطرُ كما العشَّاقُ يتدلَّلُ على مُحبيه وسكانُ جدةَ ينتظرونه انتظارَ الهائمِ للقاءِ محبوبتِه وهو يتغلَّى عليهم فيغيبُ. وهم يحنِّون له حنينَ الأم لوليدِها.. وعندما يحينُ اللقاءُ تتلهَّفُ القلوبُ... وتتلألأُ العيونُ.. وتبتهجُ النفوسُ لكن ،وآه من هذه ال «لكن» أمانةُ مدينتِهم تأبى إلَّا أنْ تُفسدَ فرحةَ اللقاءِ.. و»تعكننَ» المزاجَ... وتحوِّلَ المشهدَ إلى عكٍّ وفوضى وحوادثَ وكارثةٍ كما حدث قبل أعوامٍ عندما فَقد 128 شخصاً أرواحَهم. فبدلاً عن استمتاعٍ بأجواءِ المطر غرقُ أحياءٍ.. وأنفاقٍ... وعوضاً عن لقاءٍ حميمٍ إغلاقُ شوارعَ وتكدُّسُ حركةٍ ونكدٌ شبيهٌ بنكدِ زوجةٍ محترفةٍ وبدلاً من الفرحِ بنعمةٍ ربانيةٍ تَسقي الأرضَ وتَروي الحرثَ تسرُّبُ مياهٍ في كلِّ مكانٍ.. واحتجازٌ لبشرٍ وممتلكاتٍ وحوادثُ انهياراتٍ وسيرٍ وبرغم كلِّ ذلك تبقى نفوسُ سكانِ جدةَ متفائلةً فعسى مع الأيامِ تتغيَّرُ الأحوالُ ويتحسَّنُ الأداءُ وجودةُ المشاريعِ لكنَّهم والزمنُ يمرُّ فمع كلِّ غشقةِ مطرٍ بسيطةٍ يعودُ «الكتَّانُ كما كان» وهم يتساءلون عن الأسبابِ بلا أملٍ وبلا جوابٍ . ومن حقِّهم السؤالُ والتعجُّبُ حينما يرون بلدياتٍ وأماناتٍ في دولٍ أخرى ميزانياتُها أقلُّ بكثيرٍ مما خصَّصته الدولةُ لجدةَ وأمطارُها ليلَ نهارَ ومع ذلك ينعمُ سكانُها بالمطرِ وبركاتِه بلا حوادثَ ولا كوارثَ ولا نكدٍ وهكذا يبقى السؤالُ حائراً في حلوقِهم إلى متى؟ وهل من أملٍ؟ [email protected]