شهدنا قبل فترة إهداء قيصر روسيا أقدم مصحف مخطوط في القوقاز إلى المرشد الإيراني خامنئي، ولم تكن تلك محض مصادفة، ورغم أنه حضر وقتها إلى طهران لحضور قمة حول الغاز الطبيعي وشؤونه، إلا أنه عني أن يخص المرشد بزيارة ليقدم له هذا المصحف، ويعلن في الوقت نفسه عن إطلاق شحنة الصواريخ التي بيعت لإيران على الفور، والقيصر الروسي أرسل بهاتين الفعلتين – آنذاك- رسائل عدة إلى العرب والمسلمين السنّة في كل مكان. فهو لن يحيد عن خطه المتمثل في التحالف مع الباطنية والروافض ضد أهل السنة والجماعة، وهو مسلك أسلافه القياصرة والبلاشقة والسوفييت، فالمسلمون في القوقاز كانوا ومازالوا وسيبقون شوكة في حلوقهم إلى يوم الدين وعانوا من صمودهم الأمرّين، واستقلوا عنهم رغم أنوفهم، وأصبحت لهم كياناتهم المستقلة التي تمثل مجتمعة قوة ضاربة تفوق الروس عدة وعتادا وثروة واقتصادًا، ولما كان الروس مطرودين من كل أنحاء المعمورة وغير مرحب بهم في أي أرض أو أي سماء أو أي بحر، لم يجدوا ملاذًا إلا في حضن الروافض والباطنية من النصيريين الذين استباحوا بحارهم وأجواءهم فاستوطنت قواعدهم البحرية في اللاذقية، ومطاراتهم العسكرية في حميميم، وكلها مناطق يسكنها النصيريون بعد أن هجرها أهلها الأصليون من أهل السنة والجماعة، نعم أهدى قيصر الروس المصحف لمن نصّب نفسه اليوم كِسرى الفرس، وأبدل التاج بالعمامة ليخدع القطعان التي يحكمها بقوة سلطان الولي الفقيه، وتشكل هذا الحلف المسخ البغيض من قيصر وكِسرى وعبيدهم العرب في العصر الحديث: الغساسنة والمناذرة، تمامًا كما كان الغساسنة يأتمرون بأمر قيصر في الشام، وكان المناذرة أُجرَاء عند كِسرى في العراق، وما أشبه الليلة بالبارحة، بل الليلة اشد وأنكى بلاءً من البارحة، فغساسنة الشام اليوم عبيد لقيصر في روسيا وكِسرى في فارس في آن معًا، وكذلكم حال المناذرة في العراق، ويستبيح كِسرى وقيصر أراضيهم وسماواتهم وبحارهم وأعراضهم وأموالهم رضي أهل العراق وأهل الشام (إن جاز أن نسميهم هذين البلدين الكريمين) أن يكونوا عبيدًا ويمثلوا دور الغساسنة والمناذرة بدل أن يكونوا أحرارا كراما وبين ظهرانيهم حاضرتان من حواضر المسلمين الكبرى، دمشق وبغداد، حاضرتا الخلافة الإسلامية التي حكم خلالها المسلمون العالم كله، ولكن حينها لم يكن للروافض ولا للباطنية أي وجود ولا قيمة ولا نفوذ، وها هم اليوم يظنون واهمين أن الاحتماء بكِسرى وقيصر سيحقق لهم شيئًا من ذلك، بل إن مساعيهم في هذا الشأن وصلت إلى حد سماح كِسرى لقيصر باستخدام أراضيه لانطلاق قاذفاته الضخمة التي لا تستخدم إلا في الحروب العالمية من طراز (توبوليف) لرمي أطنان من قذائفها وقنابلها على المسلمين السنة في حلب وسواها لإبادتهم تماما، كما يريد تحالف كِسرى وقيصر في ظل تصفيق وتهليل من قنوات الإعلام الطائفي فيما سموه «عاصفة التوبوليف»، كما احتفلوا من قبل «بعاصفة السوخوي» وهي ليست إلا احتفالات بقتل السنة. إن التاريخ يعيد نفسه، وما يقوم به قيصر اليوم بتحالفه مع كِسرى يذكِّر بما حصل في أفغانستان، حين خرج السوفييت الذين هم أقوى من روسيا مهزومين منها، ولابد لليلة من أن تشبه البارحة، وسيُهزم الجمعُ ويولّون الدُّبر، بحول الله وقوته ونصره. [email protected]