كالسفينة المتعبة، كنتُ أتابع محطة «روتانا خليجية»، وأتفكّر بالأرشيف الورقيّ في الشركة، وَأُبْصِر إِلَيْهِ كالطفلة اليتيمة أمام ثياب أمّها الراحلة إلى الآخرة، ذلك لأنّه يبدو لي أن هذه الملفات المكدّسة في الأرشيف لن يقرأها أحد، ولقد تخيّلتُ هذه الملفات، وتصوَّرتُ أنّه حتّى لو فكّر أحد الموظفين في التخلّص منها فلن يجد ما يفيد، فكل المعلومات مخزَّنة على سحابة الإنترنت في فضاء الكون!! لقد خالجني كلّ ذلك الشعور وأنا أشاهدُ «برنامج العمل عن بُعد»، الذي أطلقته وزارة العمل، والعمل عن بُعد مفهوم جديد على بعضنا، لكنه تذوب به حدود الأماكن، وتسقط ككتل ثلجية على الرابط «الإنترنت» الذي أصبح مصدرًا للتواصل، للعمل، والمعرفة لجيل هذا العصر، يستقي منه عمله المرئي والسمعي، ولقد استطاع هذا الاتّصال والوصال أن يقلّص من المساحة المكانية التي كانت تلزم الموظف في مكان العمل. فمكتب جيل اليوم الصاعد متنقل بين يده، يؤدّي عمله أينما كان بمساعدة الاتّصال. ممّا حدا بالبعض إلى أن يقول: «إن الأجيال القادمة قد لا تحتاج إلى مكاتب، ومبانٍ ليسقوا بها عطش العمل، وإنّه لا مكان لمبنى العمل في خزائن جيلنا القادم، وستصبح التقنية في نظر جيلنا هواءً مشاعًا يتنفسه الجميع، بغض النظر عن مصدره. إن موظف اليوم سيكون له القدرة على السفر، والرحيل، والتجوّل بين القارات، ويحمل مكتبه بين يديه، وأنا لستُ ضد هذا الرأي، ومتحمّسة له أيضًا، وأجزمُ أن العمل المكاني تقاعد، وأُصيب ب»لين العظام»، وما أعتقدُه أنّه فَقَدَ غريزة المشي، والاتّكاء على العصا، لذا فلا بدّ أنّ نؤسس الأعمال القادمة والحالية، ونعيد هيكلة الأعمال السابقة بلغة تتناسب مع العمل عن بُعد؛ لتكون جزءًا لا يتجزأ لجيلنا، فالتقنية الحديثة لجيل اليوم، يتواصلون بها، ويقرأون بها، ويفرحون ويحزنون بها!! أثبتت أنّهم يعيشون بها، وتدق أبواب بيوتهم، ويتداولونها، ويتناولونها، فالجيل القادم هو الذي سيصنع قوالبه، وليست القوالب هي التي تصنعه!! [email protected]