الجدل القديم حول ضرورة أن يتولى صاحب المنشأة أو أبناؤه إدارة الشركات العائلية يكاد يكون قد انتهى في عصر التقنية، التي ساعدت حتى الشركات متعددة الجنسية أن تدير أعمالها عن بعد. نحن نعيش عصرًا عقلانيًا ذا نقلة نوعية إدارية جذرية شاملة، أوجدت استبصارًا معرفيًا خلّاقًا، مما أحدث تحوّلًا في مفهوم دور القائد في مجال الأعمال، حيث جعل وظيفته ذات فعالية إبداعية في مجال الإدارة، وقد فرض هذا المفهوم الجديد التطور الكبير في مجال التقنية، والطريقة الحديثة التي تدار بها كبرى الشركات. هذا التوجه الإداري الذي لم يعد جديدًا في عالم المال والأعمال، لم يدع لقائد المنشأة في القرن الحادي والعشرين خيارًا إلا أن يكون محترفًا متطورًا علميًا وعمليًا، وفكرة الاحتراف في المجال الإداري القيادي حقيقة فرضت نفسها، وطمست ذلك الفكر البالي، الذي ظل على قناعة أن صاحب المال يجب أن يدير أعماله بنفسه. فلسفة القيادة غير الموجهة، أصبحت اليوم أنموذجًا تتبناه كثير من الشركات العائلية في دول العالم، وقد ساهم هذا النوع من التفكير في تفرُّغ أصحاب الأموال للتخطيط والابتكار والإبداع والرقابة، والتوسع في مجال المال والأعمال، لقد أصبح العالم المتقدم ينتظر من القائد الإداري الكثير من الرؤى والتطلعات والتخطيط، ولم يعد هذا العالم يهمه أن يكون هذا القائد هو صاحب المال أو أحد أبنائه، أو غيرهما، المستفيدون سواءً كانوا أصحاب أسهم أو زبائن يهتمون بالأرباح، وجودة المنتج، أكثر من اهتمامهم بمالك الشركة. يجدر بأصحاب الأموال اليوم، وخصوصاً في المملكة، أن يتحرَّروا من أصفاد الفكر القيادي القديم، الذي يجعلهم يتمسكون بإدارة أعمالهم، التي تعج بأرقى وأحدث المعدات والأجهزة والمباني، لكن عقولهم تبقى مقيدة في أصفاد أفكار بالية، والخوف يخالج خاطرهم على إدارة المال. كم يثقل قلبي مشاهدة المنشآت والشركات العائلية العريقة لمئات السنين، وهي تهوي وتنهار بسبب إصرار أصحاب الأموال على إداراتها، وهم يُردّدون المقولة البالية التي تُزلزل جسدي وتضيق بها أنفاسي «ما يدير المال إلا أهله»..!. [email protected]