وقف بملابسه الرثة يُلقي نظرة أخيرة على تلك الأرض التي أمضى فيها نصف عمره، وها هو الآن يُوشك أن يركب المجهول، بعدما استدان ليدفع لأحد المُهرِّبين ثمن مساحة بسيطة في إحدى قوارب الموت.. كان حينها يُحدِّث نفسه: * (ما كان ظني أن تكونَ نهايتي في آخر المشوار دَمْعَ عتابِ هذا زمانٌ خانني في غفلةٍ مني.. وأدْمى بالجحودِ شبابي كيف ارْتضيتُ ضلالَ عَهْدٍ فاجر وفسادَ طاغيةٍ.. وغدرَ كِلابِ؟! لم يبق غيرُ الفقر يسْتر عَوْرَتي والفقرُ ملعونٌ بكل كِتابِ) *** ركضت خلفه والدمع الأسود ينساب من مقلتيها وقد خالط الكحل، وقالت له: لكنني مازلت وطنك. فرد بمرارة: (وطن بخيل.. باعني في غفلة حين اشترته عصابة الإفساد أحببتُ فيكِ زمانَ مجدٍ غَابرٍ ضيَّعتهِ سفها على الأذنابِ كم طاف قلبى فى رحابكِ خاشعًا لم تعرفي الأنقى.. من النصابِ أسرفتُ في حبي.. وأنت بخيلةٌ ضيعتِ عمري.. واسْتبَحْتِ شَبَابي من كان أولى بالوفاء؟!.. عصابة نهبتكِ بالتدليس.. والإرهابِ؟ أم قلبُ طفل ذاب فيك صبابةً ورميتهِ لحمًا على الأبوابِ؟!) *** غاب مركبه في أفق المجهول، وكانت تلك مجرد البداية.. بداية جديدة لآلاف يخوضون نفس تجربته. * الأبيات للشاعر فاروق جويدة.