مُني الوطن هذا العام بفقد شخصيتين تأريخيتين كانتا علامتين فارقتين في مسيرته ؛ فقبل ستة أشهر رحل قائد المسيرة الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - وهاهو الوطن اليوم يُفجع برحيل عرّاب السياسة الخارجية لبلادنا وصانع مجدها الأمير سعود الفيصل بعد أربعة عقود من العمل الدؤوب والجهد المُضني في قيادة حقيبة الخارجية التي واجهت خلال إدارته لها أزمات مصيرية تصدى لها بهمة عالية واحترافية أذهلت ساسة العالم ، وأجبرتهم على احترام المملكة وتقدير دورها ؛ حيث كان - يرحمه الله - متوازناً في شرح مواقف بلاده جسوراً في الدفاع عن الحق ، ومطالباً بردع الظالم وفق الإطار السياسي الذي يكفل للجميع اعتباراتهم الإنسانية والعقائدية . رحل العظيم - سعود الفيصل - وخلَّف إرثاً سياسياً سيتذاكره كبار الساسة ، وكنتُ أتمنى أن يكون - رحمه الله - قد كتب مذكراته ، أو دوَّن مشاهداته ، أو سجَّل رؤيته للأحداث التي تصدى لها ؛ لكي تكون خارطة طريق لكل مبتدئ ، ومنهجاً يُدرس لمن يرغب التخصص في الحقل السياسي ، ومرجعاً يكون مُنقِذاً للساسة في أحلك الظروف ؛ لأن مسيرة نوعية كمسيرة الراحل سعود الفيصل لا تُقدر بثمن ، وتجربته في ميدان السياسة تُطرز بمداد من ذهب ، ولكنه - الوقت - الذي لم يُسعفه ، فقد كان في صراع معه لتوالي الأحداث الجِسام ، ناهيكم عن عدم حُبِّه للظهور الإعلامي الذي لم يكن في يوم من الأيام من أولوياته . رحل الفقيد - سعود الفيصل - بعد أن أدهش زعماء العالم بحنكته ودهائه وشهدوا له بالمكانة المرموقة واللباقة في استدراج الخصوم وقلب المعادلة لصالح القضية التي يحملها ، وغادرنا الفيصل - نحن كسعوديين - تاركاً في القلب غُصَّة لن تنزل ودمعة حارقة لن تهدأ ؛ لأن الفقد مؤلم ، والمفقود كبير ، وعزاؤنا أنه لقي ربه في شهرٍ هو خير الشهور ، وفي ليالٍ هي من أفضل الليالي عند الله ؛ فرحم الله سعود الفيصل جزاء ما قدَّمه لوطنه ولأمته التي لم يتوانَ يوماً في الذود عن حياضهما . [email protected]