قبل انعقاد معرض الكتاب في كل عام تتحرك الاستعدادات للتدخل "الاحتسابي" المتكرر -من قِبَل البعض- بكل صوره وآلياته، تبدأ الاعتراضات على عناوين الكتب وعلى أسماء المؤلفين وعلى دور النشر وكأن هَمَّ هؤلاء المحتسبين هو الحرص علينا من أن نقرأ ما يضرنا ويفسدنا، فهم الأدرى والأعلى فهمًا والأكثر اطلاعًا، يتحرك المحتسبون بين مرتادي المعرض، يراقبون هذه الكتب وهي على القوائم، ثم وهي على الأرفف، ثم وهي بين أيدي القراء ليصادروا ويمنعوا، وعامًا بعد عام، تتناقص دور النشر المهمة، وتقل أعداد الكتب القيّمة، وتتزايد دور النشر التي تعيد وتكرر طباعة الكتب المألوفة التي يسمح بها ذوق الرقيب، وتتنامى تلك الدور التي تستقطب التجارب الأولية للكتاب السعوديين. يعلم هؤلاء المحتسبون أن السعوديين يقرأون ما يشاءون، سواء سافروا للخارج واطلعوا على كل الكتب التي تُمنع من قِبَلهم، أو أنهم قرأوها على الإنترنت من خلال مئات المواقع التي تنشر الكتب إلكترونيًا، فهل هدفهم فعلًا من كل هذا التضييق هو ألا نقرأ إلا ما يرونه صالحًا نافعًا لنا؟، وهل السؤال الذي يشغلهم خلال المعرض هو ماذا نقرأ؟، الحقيقة أن الاعتراض يمتد أيضًا إلى الفعاليات والمحاضرات المصاحبة للمعرض، وإذا الاهتمام يخرج من حيز تحديد من يكتب وماذا نقرأ إلى حيز من يتكلم وإلى من نصغي، على المنصة تمتد الأحداث الاحتسابية ويُهاجَم المتحدثون وترتفع الأصوات، وعلى المنصة تُمنع العروض المرئية والمسرحية، وتتوقف الأنشطة. هل يريد هؤلاء المحتسبون أن يسيطروا فقط على طريقة التفكير ذاتها، وأن يتحكموا في مصادر اكتساب المعرفة وفي حواس السمع والبصر؟، لكن التدخل الاحتسابي يفاجئنا بتمدّده إلى حيز آخر وآخر.. فمن ماذا يقرأ الناس؟، يشغل المحتسب نفسه بما يلبسونه وبما يضحكهم وأين يجلسون؟ وكيف يمشون؟ وإلى جانب من يقفون؟ ومع من يتحدثون؟ يتعرض مرتادو المعرض لسلسلة من الاعتراضات والملاحقات، وينزعجون من افتراش الممرات والمشادات الكلامية وتخريب الأنشطة، وكأن الهدف ليس السيطرة على ما يقرأ الناس، بل هو تنفيرهم من الحضور للمعرض، خاصة أن هذه المضايقات لا علاقة لها مطلقًا بالكتاب، بل إن الكتب تباع لعامة الناس في المكتبات المحلية دون احتساب، والناس الذين يحضرون المعرض هم أنفسهم الذين يتسوقون في السوبر ماركت المجاور لأرض المعارض دون ملاحقات، والناس في الحقيقة، ورغم كل شيء، يقرأون ما يروق لهم، لماذا هنا؟ لماذا الآن؟ لماذا وأعين العالم ترقب والكاميرات تصوّر ووسائل الاتصال تنقل؟. لا الكتب ولا القراءة هما الهدف المنشود للهجوم السنوي المقنن -من قِبَل بعض المحتسبين- على معرض الكتاب، بل هو الظهور على الملأ لتعيين حدود العرين الخاص بفئة متشددة، تهيمن عليه، وتبسط سطوتها داخله، وتفرض قوانينها على رؤوس الأشهاد، وتعود في كل عام لتأكيد وجودها وتثبت انتماء ذلك المكان لها وحدها.