في معرض الكتاب الدولي بالرياض، أغار 70 شخصاً احتساباً على الجمهور والباعة وعلى وزير الثقافة نفسه وعلى الإعلاميين، وقد تسببت غزوتهم «الاحتسابية» في إثارة الفوضى وتخريب هذه المناسبة، وتحويلها من تظاهرة ثقافية إلى تظاهرة احتسابية، وقد اشتمل برنامجهم الاحتسابي على تحريم الاختلاط بين العائلات داخل المعرض، وتحريم التصوير، كما تسببوا في قطع برنامج يُبث على الهواء عن فعاليات المعرض، واتهموا الإعلاميات بأنهن يغازلن الرجال، وهدّدوا موظفاً بكسر يده، وقاموا بسحب بعض الكتب، وأنكروا على البائعين بيعها. فهل يمكن تسمية ما حدث احتساب أم انقلاب على المعرض الدولي للكتاب؟ وزير الثقافة والإعلام الذي حوصر من قبلهم، وتم تخويفه بعذاب الآخرة، لسماحه بإقامة هذا المعرض والاختلاط فيه، رد عليهم: «بجزاكم الله خيراً وابشروا»، لكنه عاد وكتب على صفحة «فيس بوك» أن من لديه ملاحظة، عليه أن يتوجه بها للجهات المختصة، وأن ما حدث مرفوض، فأيهما هو الموقف الفعلي للوزارة، «ابشروا ومرحباً بالمحتسبين»؟ أم «نحن نرفض ما حدث ونطالب بالتحقيق وتجريم هؤلاء»؟ ثانياً هذه الغوغائية التي استخفت بكرامة الناس وأقلقت أمنهم قُدمت ضدها بلاغات سجلتها الدائرة الأمنية التابعة للمعرض، فأين نتائج هذه البلاغات؟ وأين التحقيقات؟ بالتأكيد ان ما حدث هو مسرحية مكشوفة ومقصودة، وهذه المسرحية لم تحدث في شارع فرعي لمدينة الرياض ولا في نشاط ترفيهي هامشي، بل حدثت في معرض دولي رسمي، تشرف عليه وزارة الثقافة والإعلام، وتباركه الدولة، ويحضره ناشرون عرب وضيوف من دول مختلفة، والسؤال الذي يهمنا أن نطرحه هو: طالما أن هيئة الأمر بالمعروف تنصلت من هؤلاء المحتسبين، فمن الذي أنتج وأخرج هذه المسرحية؟ في وقت تعيش فيه الدول العربية أزمات ومطالب بالتغيير، يجد مرتادو معرض الكتاب الدولي أن التغيير لا يتعدى السماح بدخول العائلات إلى معرض الكتاب مثله مثل الأسواق التي تدخلها العائلات في السعودية قد أنكره هؤلاء المتشددون، وتعدوا عليه بسلوك «همجي» منفلت المعايير، وعلى رغم هذا تُركوا من دون تدخل يمنعهم. إن حدوث هذه المسرحيات يبدو وكأنه رسالة بأن أي تغيير أو مطالبة بانفتاح اجتماعي ولو بسيط لن يسفر عنه إلا مثل هذا التخريب وهذه الغوغائية. ولو كانت هذه هي الرسالة التي يود المحتسبون إيصالها للناس، فهذا أمر خطير، وعلينا في المقابل ألا ننساق لحلاوة وسهولة ترتيب مثل هذه المسرحيات، وأن نلتفت إلى الطرف الآخر من التعليقات الساخنة، التي يسجلها شباب وشابات تويتر والفيس بوك، والتي تحمل الاحتجاج نفسه، لكن في الاتجاه المعاكس، فالشباب على الفيس بوك وتويتر يحتجون على هؤلاء المتشددين والمتعصبين، ويجدون أن المضايقات قد وصلت بهم لمقاطعة هذه الأماكن، وشعورهم بالضيق من سلبهم حقوقهم يتزايد، وإن كان التعبير اليوم اكتفى بالسلبية والمقاطعة، فإننا لا نعرف غداً إلى أين ستأخذنا سخونته.