معركة الوصاية التي تعصف بمعرض الكتاب هذه الأيام تتجدد كما في الأعوام السابقة من قبل المحتسبين الذين يضايقون الزائرين بالمواعظ والإرشادات حول الكتب المعروضة والندوات والفعاليات المصاحبة، وإثارة اللجج حول اللباس النسائي وافتعال المشاكل بهدف إيصال رسالة تذكير للجميع: أن إدارة المجتمع ستظل دائما بأيدينا نحن المحتسبين. الغريب في الأمر، ليس مسألة الوصاية على العقول والثقافة وحرية الاطلاع فحسب، ولا محاولة التحكم القسري بالأجواء العامة عن طريق لفت الأنظار بالمواعظ والنصائح التي تفسد روح الاحتفالية بمعرض الكتاب، ولكن الغريب هو في هذا الإصرار على فرض المزيد من الاقتحام للضمائر والعقول والضغط على معنويات الناس لأقصى درجة، تحت حجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. المعروف أن تغيير المنكر باليد هو للحاكم أو السلطة الرسمية، فليس لعوام الناس ولا لمحتسبيهم أن يتسلطوا على عباد الله باسم تغيير المنكر، لأننا لسنا في غابة بل في دولة يحكمها قانون، فمن وجد شيئا أثار حفيظته يستطيع أن يتقدم إلى القنوات الرسمية، ويطالب بمنع هذا الكتاب، أو إيقاف هذا المؤلف، أو حجب هذه الندوة، أو الحد من هذه الفتنة، أما التشكلات الاحتسابية هذه فهي أمر مستفز ومثير للاشمئزاز حقيقة، وباعث على الحنق، فلا أحد يقبل أن يتلقى الأوامر من هذه المجموعات، لأن في سلوكها ادعاء حصريا بالطهارة والنزاهة والفضل، وأن المنصوحين هم جهلة لا يعرف أحدهم ماذا يجب أن يقرأ أو كيف عليه أن يختار كتابه المفضل! منظمة اليونسكو العالمية تؤسس لمكتبة رقمية تضم ملايين الكتب الرقمية من كافة ثقافات وحضارات العالم ومتاحة للجميع من خلال الإنترنت مجانا، وهؤلاء ما زالوا يعيشون في عصر الرقابة على الضمير والتفكير والتعبير، عصر الوصاية والمنع والحجب. لقد كان أجدى بهذا المحتسب بدلا من الوقوف لمنع هذا الزائر من شراء الكتاب أو مضايقة هذا المؤلف أثناء التوقيع، أن يؤلف كتابا يرد فيه على شبهاته ويثري هذا المعرض، بشكل حضاري، وتكون ذمته الاحتسابية قد برئت.