* في أدبيات الكتابة يقولون: "البحث عن فكرة جديدة، فكرة قديمة!!" ليس الأمر تلاعباً بالألفاظ، فقضية الكاتب منذ اختراع المطابع والصحف هي البحث فعلاً عن فكرة جديدة!.. يا له من واجب ثقيل ومنهك في ماراثون لا مجال فيه أبداً لالتقاط الأنفاس..لا شيء حولك يتغير ومع هذا عليك أن تستدعي كل يوم الكثير من الأفكار، تبسطها فوق طاولة الجدوى لتتمكن من التغلغل إلى دوائر اهتمام الناس التي يبدو أنها لا تتغير هي الأخرى!. يحدث أحياناً أن تُحدِّثك نفسك الأمّارة بالسوء أن تنغلق عليها -ولو للحظات- لتكتب لها أو عنها شيئاً يروقها، لكنك تصطدم بواقع مثقل بهموم الناس، فتخجل أن تتجاوز أولئك المنهكين بهموم الغلاء والتعليم والصحة والسكن بل وحتى الماء والهواء لتشبع نزوات نفسك!. * تعاود البحث عن فكرة، فتعاود (اللوّامة) حقن عضلات عقلك بسؤال مُخدر: "ولِم العجلة؟!.. لقد فكرتم معشر الكتاب كثيراً؛ وكتبتم أكثر فماذا تحقق من ثرثرتكم التي ملأتم بها الدنيا وشغلتم الناس؟! ألم تفهموا بعد أن المشاكل في بلاد العرب لا تُحل إلا بالتعايش معها أو السخرية منها؟!.. اسخروا.. تعايشوا.. وانظروا كم خطأَ بتنا نتعايش معه وكأنه صواب"!.. رغم وجاهة السؤال وواقعيته إلا أنك تتجاهله.. تغمض عينيك محاولاً التركيز فتلمع في رأسك فكرة أن تتحوّل إلى واعظ، وأن تسرد شيئاً مما تبقَّى في ذاكرتك المتلافة من نصائح وحكم؛ لكن الخوف من جيل ال(140) حرفاً الذي قد يلقاك بشهية منتصبة للسخرية أيًا تكن نواياك يلغي الفكرة سريعاً، (تتعوذ من إبليس) وتُقرِّر أن تشارك العاطفيين قضم تفاحتهم، أو أن تُغازل المثقفين في صوامعهم فتخشى أن يصيبك فيروس العداء المزمن بين العرب والثقافة فتشقى!. * يرتفع ذات الصوت الساخر في داخلك وكأنه يعلن انتصاره عليك: إيَّاك أن تقتل نفسك في سبيل انتزاع الجديد من بين أنياب التعوّد والجمود.. احذر.. فالأفكار الجديدة دائماً ما تكون محل شبهة!.. حتى أصحابها مشبوهون ومنبوذون أيضاً.. ألم تر معظم المُجدّدين عبر التاريخ لم يعيشوا لحظات انتصار أفكارهم؟!. * فجأة تدهم جوالك رسالة من المحرر يستعجل فيها فكرتك التي لم تولد بعد!.. لقد أزف الموعد المحدد.. تتوكل على الله وتقرر أن تنقل حوارك مع نفسك بصوتٍ مكتوب.. فيخرج معك شيء مثل هذا المقال!. * سامحونا. [email protected]