"يبدو يوماً سيئاً" يقول "مارك" سائق تاكسي لندن الأسود الشهير، ففي عاصمة الضباب يشتاق الناس إلى الشمس ودفئها، بينما نحِنُّ نحن القادمون من تحت أشعتها طوال 360 يوماً (5 أيام مطر!) إلى احتجابها بعض الشيء، ونبتهج برؤية الدنيا من حولنا بدرجة الضوء المختلفة على أعيننا. لم يزعجني "مارك" بتعليقه، ليس فقط لأنه حر برأيه، بل لأنني على استعداد لتقبل أي شيء من سائقي أجرة لندن المحترمين، فحرفة سائق الأجرة هنا طريق طويلة المشوار ويلزمها تدريب بالخرائط لمدة تقارب العامين على دراجة هوائية لدراسة الشوارع وحفظ أسمائها عن ظهر غيب، وبعد عدة اختبارات يعطى الرخصة ويحصل على أجر محترم، فهو إذاً ليس بحاجة إلى أن يخدع الزبون بألاعيب من هنا وهناك كما يفعل السائق في روما والدار البيضاء! بل وإن -وأضع عدة خطوط حمراء تحت كلمة "وإن"- أخطأ في أحد المنعطفات -وهو أمر نادر الحدوث- فإنه يقوم تلقائياً بخصم جنيهين أو ثلاثة من الأجرة من فرط. وعربته في منتهى النظافة والاعتناء، عادةً ما يقود بمهنية ولا يتحدث إلا قليلاً، محترماً خصوصيتك، لا كبعض الدول التي يسقط فيها السائق إسقاطاته من هيئتك ويعرض عليك رذائل الأمور! ويكفي السائق اللندني أن أقول له من أمام مطار "هيثرو" أن يأخذني إلى alfa close -وهو شارع فرعي صغير مغلق في آخره، طوله بضعة أمتار ويتفرع من شارع park Rd- فيفعل دون أي خطأ. أجرة لندن هي الأفضل في المدن الكبرى التي رأيتها من كوالالمبور إلى لوس أنجلوس، وفي باريس هي الأسوأ! أجرة مرتفعة وضعف في المعرفة بالعناوين ومحاولات عدة للتذاكي! ناهيك عن العصبية الباريسية. وفي نيويورك التي تسير فيها كعقرب الدقائق وتسير الجموع من حولك كعقرب الثواني! تتجسد القيادة المتهورة من 30 جنسية كان آخرهم السائق الصومالي الذي حظي بدور مساعد في فيلم "كابتن فيلبس" بجانب "توم هانكس" وتم ترشيحه لجائزة أوسكار! أما في طوكيو فلا أزيد على أن الرجل يلبس قفازاتٍ ناصعة البياض! وفي مصر لن تشعر بالضجر من ابن البلد عم علي الذي يتحدث في كل المجالات الرياضية والسياسية، أول مرة ركبت فيها أجرة في القاهرة فوجئت بالرجل يهدئ السرعة كلما لمح أحد الزبائن، فاستعجبت، وكنت أظن أنني وحدي وهذا ممكن، إلا أن الأجرة تزيد بسبب أنك تحتكر السيارة، والسائق يهدئ السرعة وينظر في الزبون ويفهم منه إلى أين يريد أن يذهب! فعرفت أن هناك علامات يفهمها السائق والزبون: ثمانية بإصبعين مقلوبين، للهرم.. وأربع أصابع متلاصقة، ترمز إلى منطقة الكيت كات مثلاً! وهكذا! ومؤخراً اقتحم مجال عربات الأجرة حول العالم شركة جديدة تستخدم تطبيقات الهواتف الذكية لطلب أقرب سيارة ومعرفة صورة صاحبها المبتسم! ثم تقييمه بعد انتهاء الرحلة وهو أيضاً يقوم بتقييمك كزبون مشاكس مثلاً وإياك أن تجتمع عليك عدة تعليقات سيئة فتضعك الشركة في القائمة السوداء!