بل هو زمن السرد كلِّه، روايةً وقصةً وأقصوصةً ونصوصًا قصيرة ومسرحًا، إذ لا يكاد يمضي يومٌ أو أيام إلا ونحن في حضور إنتاجٍ أدبي سردي جديدٍ على مسرح أدبنا السعودي، توافينا بأنبائه ساحاتُ الإعلام وصفحاتُ التواصل الاجتماعي، فنلتقي على ألوانٍ من العناوين الجديدة، المغريةِ بانتقاءِ مؤلفيها لها، مما يحفِّزُ لإدراكها، وإن لم يكن بوسعنا ذلك لغزارة الإنتاج، والاصطدام بمبالغات الأثمان، التي باتت مشهدًا ملحوظًا، ينم عن توجهاتٍ ربحيةٍ خالصةٍ، أغمضتْ عينيها عن نَبْع الفنِّ الواجب حضوره قبلَ كل شيء. فإن وقفتَ أمامَ هذا القدر العالي من الإنتاج عمومًا بإلمامِ مُثَقفٍ مدركٍ لأصولِ الحضارة وروافد الأدب، وجدتَه مظهرًا لوعي ثقافي بقيمة الإبداع، وتطورًا للفكر الثقافي الأدبي الذي يصاحب حياةَ الرخاء والاستقرار المجتمعي، وهذه الصورة مشهودٌ لها تاريخيًا على مرِّ العصور، وهي جالبةٌ للفخرِ والاعتزاز بواقعنا الأدبي والثقافي. غير أن ما يتمتع به السردُ من تجرّد الوزن والقافية، وما تيسّر من أمور الطبع والنشر في هذا الزمان، أغرى طائفةَ الكتّابِ غيرِ المدركين لجوهره وقيمته، إلى طرق أبوابه واقتحام داره، استثمارًا لوصف العصر به وتوجه القراء إليه، واستمتاعًا بمجلبةِ الشهرة والاستعراض والتسويق؛ إعلانًا ومقالًا وتوقيعًا. لذا أقولُ إنّ القارئ الواعي لا يبحث عن مجرّد فكرة، قد تكون تقليدية مكررة هي وشبيهاتها على ألسُن العامة كحكاياتٍ شعبية ووعظية، وقضايا اجتماعية وإصلاحية، وتكرارُها في ظل الحياة العامة المتشابهة أمرٌ حتمي طبعي، إلا من قدَّر اللهُ له حياةً مميزةً وفكرًا نابضًا يمنحه أفكارًا فريدةً جديدة، يستهدفها القارئ لذاتها أوّلًا؛ إنما يبحث القارئ أيضًا عن لغة عالية تليق بجمال الفن، وتكشف عن حضارة لغوية، وطريقة نابضة، وعمقٍ تاريخي ضارب في أصول الحضارة، تسري بها المتعةُ خفيةً لبقة لطيفة بين الأسطر والعبارات والفقرات، عقيدةً راسخةً بأنّ اللغة جوهر في الأدب شعرِه وسرده، والسردُ إن خالفَ الشعرَ إيقاعًا إلا أنه مُؤاخيه جمالًا وتصويرًا ومنهجًا وإيقاعًا داخليًا... قد تحتار كقارئ أمام رفوف الإنتاج تخشى من (هزل) البعض في إنتاجه، فتركن إلى أسماء معينة وثقتَ بها منذ زمن، لأنها وهبت اللغة الأدبية نورًا ساطعًا واهتمامًا بالغًا، يضاف إلى الحدث الباهر المميز، أو التقليدي في قالبه اللغوي الجديد. وتثق كثيرًا بالدراسات الأدبية والنقدية وما تنتقيه من هذا الزخم الهائل، لأن الدارس لن يتعاطف مع إنتاج معين يخص كاتبًا بعينه، كما يفعل في مقال أدبي أو نشر إلكتروني، إذ الدراسة شهادة تاريخية لقدراته العلمية له أو عليه. كذلك تشكل تلك الدراسات نظامًا ممحّصًا ومنقحًا وضابطًا ومحفزًا لأولئك المنتجين، كي تتصاحب وتتمازج الوفرة الوفيرة مع السمو في الهدف، والمتعة في اللغة والطريقة، من أجل هذا كان لها الحق في نصيبٍ وافرٍ واعتناءٍ فائقٍ، دعمًا وتشجيعًا بالجائزة والتقدير.