ضمن أنشطة منتدى الكلمة في النادي الأدبي بمنطقة حائل قدم سعود البلوي ورقة عمل نقدية حول (عبدون) كاتب السيرة الشعبية المعروف، وتجربته العامية الأربعاء الماضي بمقر النادي. قدم الورقة سعود البلوي وبدأها بالتعريف ب (عبدون) قائلاًُ انه الاسم الأدبي لكاتب سعودي قدم تجربة تكاد تكون غير مسبوقة في مجال كتابة الأدب وتتمثل بالسرد باللهجة العامية المحكية، مضيفاً إنه سيتناول تجربة هذا الكاتب من ناحية الاستخدام اللغوي، ليس باحترافية الناقد لكن ببساطة القارئ، بصرف النظر عن الأمور الفنية فيها والطريقة التي تناول بها الموضوعات والقضايا. وطرح البلوي بعض التساؤلات التي حاول الإجابة عنها في ورقة العمل متحدثاً عن السرد والوصف. وحول اللهجة المحكية قال إن القارئ العربي اعتاد أن يقرأ ويكتب باللغة الأم (الفصحى)، مشيراً إلى وجود بعض الدعوات في بعض الدول العربية إلى إحلال اللهجات العامية محل الفصحى، وذلك منذ الثمانينات من القرن الماضي، وعلى الرغم من إخفاق الدعوة إلى كتابة العلوم والأدب باللهجة المحلية إلا أن الكتابة بالعامية تظهر في نواح أخرى كالشعر والمسرح دون أن يؤثر ذلك على استمرارية اللغة الفصحى. وتشير الورقة التي قدمها البلوي إلى أن الكاتب السعودي (عبدون) خاض تجربة الكتابة العامية في مجال السرد في عدة إصدارات مطبوعة، مقدماً تبريراً لذلك قائلاً (عبدون هو تجريب في اتجاه العفوية والصدق باعتبار قصور لغة الصحف ونشرات الأخبار التي تكتب بها لدينا كتب الشعر والقصة عن اللحاق بالتأثير للأعمال الإذاعية والتلفزيونية والسينمائية، وكلمات الأغاني والقصائد الشعبية). الفصحى.. ويعود للفصحى فيقول ولولا الفصحى لما تعلمنا القراءة والكتابة وفي المجال الأدبي تعتبر (اللغة) العمود الفقري له، والنمو الفكري والثقافي، فبهذه اللغة عرفنا المعري والجاحظ والمتنبي ثم نزار والجواهري ومحفوظ وغيرهم وقد لا يستطيع القارئ الإحساس بجمال اللغة إلا بقراءة الكاتب وهو يكتب بلغته الأم، لا سيما في المجال الأدبي. أما الكاتب عبدون فقد اتخذ لغة بسيطة تتمثل في اللهجة التي اعتاد على التخاطب بها في حياته اليومية، وضمنها مفردات فصيحة استلها من صلب العربية خصوصاً إن كثيرا من المفردات المستخدمة في اللهجات العامية هي في الأساس مفردات فصيحة. وأكد البلوي ان الفصحى تعتبر الأصل واللهجات متفرعة عنها، لذا يجب العودة إلى الأصل في الاستخدام الكتابي. إشكالية العامية ثم عرج مستطرداً على اللغة الفصحى وإشكالية العامية وعرض آراء عبدون حول الكتابة باللهجة المحكية، واضعاً علامة استفهام حول عبارة لعبدون في أن اللغة الفصحى تمارس دوراً تخريبياً، معللا ذلك بقوله يتضح ذلك حينما يصل نتاج كتاب ومبدعي (المغرب العربي) إلى (المشرق العربي) دون أن يحس القارئ العربي بالتباين الثقافي والقومي بقدر الوحدة التي تسير في الاتجاه الصحيح،عدا الموقف السياسي العربي الذي تحيط به لافتة كبيرة مكتوب عليها (اتفق العرب على ألا يتفقوا)، كما أن القارئ يتعزز لديه الشعور بالوحدة حين يقرأ أحرفاً لكاتب ما ترصد بعض مظاهر الثقافة في قطر عربي من خلال إبداع أدبي أو فني، أو دراسة تاريخية أو ثقافية، وذلك يعود إلى سبب رئيسي هو الوحدة اللغوية، إذ أن الفصحى مفهومة فهماً تاماً في كل أنحاء العام العربي. أما العامية في البلاد العربية والتي تتعدد فيها اللهجات المحلية على المستوى القطري فهي مناسبة للاستخدام في إطارها الثقافي كلغة تخاطب يسيرة ومفهومة بين أبناء المجتمع الواحد. ويتابع البلوي احتجاجه قائلاً لكن لو سافر مواطن من المشرق العربي إلى المغرب العربي أو العكس فإنه سيصطدم بالحاجز اللغوي، المتمثل في اختلاف اللهجات، ولكنه والطرف المقابل سيحاولان إيجاد (لغة تخاطب) وسيطة قدر الإمكان يتم بها وضع أرضية لغوية مشتركة للتفاهم. لغة المثقفين وعلى الصعيد المحلي نلاحظ أن المستوى الثقافي للأفراد يؤثر كثيراً في الاستخدام اللغوي، فالأفراد الذين يكون مستواهم المعرفي والثقافي جيداً، يتكلمون لغة قريبة من الفصحى، ويتحاشون بتلقائية استخدام الألفاظ الموغلة في العامية. وعما تنشره الوسائل الإعلامية قال البلوي إن ما تقدمه من أفلام ومسرحيات ومسلسلات وأغان وقصائد شعبية، فإنها تقترب من سقف الكفاية في تفعيل التبادل الثقافي المحلي للمجتمعات العربية، وبالتالي تجسير الهوة فيما بينها، إذا كان المراد التعرف على مظاهر الثقافات المحلية للمجتمعات العربية المتباعدة مكانياً، مؤكداً إنه لن يتم تجسير هذه الهوة باللهجات المحكية، لأن فيها من الحواجز أكثر مما فيها من الجسور التي من شأنها إيصال ثقافة مجتمع ما إلى القارئ على الجانب الآخر، إذ أن في ذلك تكريسا للقطرية والتمزق الثقافي، فبدل أن يصبح لدينا أدب عربي سيصبح لنا أدب سعودي وآخر سوري وثالث عراقي لأن الأدب يعرف باللغة التي يكتب بها. تباين... وتحدث البلوي عن التباين بين اللهجات والثقافات المحلية فقال من الممكن جداً أن يلمس التباين بين الأقطار، إذ يجد القارئ المنتمي إلى قطر عربي ما، صعوبة في فهم إبداع مكتوب بلهجة عربية أخرى، قد لا تكون موغلة في القطرية فقط بل بالإقليمية داخل القطر الواحد أحياناً ويشكل (النمط الصوتي) في اللغة إشكالية كبيرة بحد ذاتها، فقد يجد المتلقي للهجة ما (عبر مسرحية أو أغنية أو شعر مثلاً) شيئاً من المتعة في الاستماع إلى الشخص المجيد لها (ابن اللغة) حين يتحدها، ولكن الأمر يختلف حين تكتب مفردات هذه اللهجة وتقدم إلى القارئ (القراءة تختلف عن السماع كثيراً) إذ تكون متعة المتلقي مختلفة عما إذا كان الأمر سماعياً . وأشار البلوي إلى أن العامية قد تقبل في السرد القصصي والروائي في الإطار الحواري نوعا ما، ولكن استخدام العامية كلغة للسرد بشكل كامل، قد يؤدي إلى التشتت الثقافي والفكري و الأدبي، في وقت تحاول فيه الثقافة العربية الانعتاق من الجمود والتشتت، من خلال إثراء الكتاب والمبدعين لها على الصعيد الأدبي والفكري بوجه عام، بينما العامية قد لا تقدم نفس الإثراء اللغوي والثقافي بقدر ما تقدمه العربية الفصحى. بعد ثقافي... وتساءل البلوي فيما لو تم ولادة تجربة مغايرة كتجربة عبدون، هل سيكون لذلك أثر سلبي على الثقافة واللغة العربية الأم (الفصحى)، مختتماً الورقة بتلخيص رأيه حيث قال وفي كتابات عبدون بعد ثقافي واجتماعي يمكن للقارئ ملاحظته، إذ يركز اهتماماته في السرد على محورين رئيسيين (الأنثى) والعلاقة بينها وبين الجنس الآخر، والبعد الثاني (الأسطورة) والحكايات المتأثرة بقصص الجان والعفاريت. مؤكداً إن هذه الأمور تشكل إرثاً قديماً في الثقافة العربية وبعض الثقافات الأخرى، إذ تنشأ بسبب عجز العقل عن إيجاد تفسير علمي دقيق للظواهر الكونية والبشرية فيتم إرجاعها لأسباب غيبية والعوالم السفلية فتأتي الأسطورة من هذا الباب. وفي كتابات عبدون تتجلى الخصوصية الثقافية للمجتمع السعودي المتأثر حديثاً بالحضارة ، والذي يمر بتغير في التركيبة الاجتماعية والثقافية، ويرى عبدون أن السرد عنده هو امتداد طبيعي لحكايا الجدات السحرية، وهو انقلاب عليها في الوقت نفسه. فلم يخرج عبدون عن القصص الشعبي المتسم بالبساطة في غالبية طروحاته سواء العامية أو الفصحى. مسائل شكلية... ثم بدأ المداخلات الدكتور فاضل والى الذي ركز على المسائل الشكلية في الورقة، وبعض الأخطاء اللغوية، وعلق على اللغة إجمالاً، حيث يرى أن على مقدم الورقة أن يكون دقيقاً في تعريفاته. كتابة ذكورية.. أما جار الله الحميد فيرى في مداخلته أن جهد الكاتب بدا ذكورياً من الدرجة الأولى وتمنى لو أن البلوي لم يبذل هذا الجهد ليعد ورقة حول هذا الكاتب، ولم يبد تبريراً لهذه المقولة. فيما دارت مداخلة الدكتور مصطفى العمايرة على أن البلوي لم يعرف بالكاتب وأن كتاباته ولغته موغلة بالعامية وأن للكاتب أن يكتب ما يشاء، وبعد النشر ينتقل الحق للقارئ متسائلاً من هو عبدون؟ لا يستحق الدراسة أما الدكتور راشد العيسى فقال إن ماكتبه عبدون لا يستحق الدراسة أو حتى المناقشة، وأن إنتاج الكاتب جاء بحسن نية متمكناً من لغته لما كتب بالعامية ويمكن أن يكون من عبقرية السخافة.واتهم مفرح الرشيدي مقدم الورقة بترويج العامية من خلال إعداد ورقة حول إنتاج بلغة عامية، مؤكداً إن النادي مشترك في هذا العمل، وسيحسب عليه، فيما أكد أحمد إبراهيم أن عبدون اسم مستعار لكاتب معروف ومرموق من المنطقة الوسطى، فيما ركزت مداخلة أخرى على نضال من يكتب عن العامية لأنه يريد إيصال أفكاره، مدللاً على ذلك بتساؤل من منا لا يستمتع لإنتاج ما من أي شكل. وجاءت مداخلة أمين سر النادي إبراهيم العيد حول بقاء هذا الكاتب علامة استفهام مضيفاً قوله ما السبب في هذا الاسم المستعار وما هدف الكاتب في الكتابة بالعامية وأين المتلقي في هذا العمل. أما الدكتور أحمد شحاته فركز على أنه كان من الأجدى فصل الورقة عن الكاتب. أسئلة معلقة وانتهت الأمسية ولم ينته الجدال حول موضوع يعتقد أنه هام، لأن جميع المداخلات كانت تطرح التساؤلات فيما لم تعثر على إجابات وافية، وربما هي أصلاً لا تحتاج إلى إجابات، لأن الأيام والساحة الثقافية هي الكفيلة بوضعها. إبراهيم العيد