الفرق بين كلمتي «عذْب» و»عذاب» هو حرف واحد، وهو «ا» بدون همزة، لكن هناك فرق كبير بين معنيْيهما، فعذْب تعني الحُلْو السائغ، وعذاب تعني العقاب الأليم!. والماء خلقه الله عذْباً، فكيف يكون عذاباً كما في عنوان المقال؟!. هناك أمثلة جوابية كثيرة لهذا السؤال، لكني أختار هنا واحداً منها فقط بحيث يُوضّح المُراد بصورة كافية!. قبل أيام اشتكى لي أحد المواطنين أنه يسكن في عمارة بجنوب جدّة، وذات يوم اكتشف هو وساكنو العمارة تسلّل ماء المجاري الجوفي إلى خزّان ماء التحلية، ليتحوّل الماء في ثوان من عذْب لعذاب!. لم يعد الساكنون قادرين على الاستحمام بالماء، والوضوء، وتنظيف الشقق، أو على استخدامه للطهي والشُرْب وإعداد الشاي والقهوة، ويكفي بهذا.. عذاب!. العجيب أنّ الساكنين المُحبطين لم يُعوّلوا على الأمانة وشركة المياه في حلّ المشكلة، لأنهم يعرفون أنهما ترميان دائماً بالمسؤولية على بعضهما البعض، فينطحن المواطن بين مطرقة إحداهما وسندان الأخرى دون حلّ، وقد نصحتُهم أنا بإعادة عزل الخزّان من خارجه، كوقاية لباطنه في حالة كوْن تسلّل ماء المجاري من جوف جدّة الذي ما زال حتى تاريخه غارقاً في المجاري بسبب عدم إنجاز شبكة ومحطّات الصرف الصحي، أو بتقديم بلاغ عاجل في حال تلف بعض مواسير شركة المياه بالقُرْب من الخزّان وتسلّل ماء المجاري عبرها إلى الخزّان!. لا أعرف ماذا فعلوا بعد ذلك، لكني أعرف أنّ مثلهم كثير، قد تحوّل الماء بين أيديهم من عذْب لعذاب، فمتى تُحلّ مشكلات المياه لدينا؟ لا في جدّة وحدها بل في كلّ الوطن؟ سواء المياه غير الغزيرة التي تهطل من السماء فتسيل في الشوارع وتُغرقها كما يغرق الطفل في بانيو المرحاض؟ أو المياه التي توجد تحت الثرى ومعظمها مياه مجاري، فإن تعذّر ذلك فليمنح مسؤولو جهاتها المعنية الفرصة لغيرهم لإصلاح الوضع، ولعلّنا نستعذب الماء لا نتعذّب به!. وهنا أدرك شهر زاد الصباح، وقبل أن تسكت عن الكلام المباح، قالت إنني أذكّرها بقصيدة «تفاخر بين الماء والهواء»، للشاعر العربي عبدالغني النابلسي، والتي تعادلا فيها بنفعهما لكافّة الخلق، حتى قالا في نهاية القصيدة: لا فضلُ لِذَا على ذَا.. بل نحن في النفع سواء.. لكن مع استمرارية مشكلات المياه قد ينقلب نفعها لضرر وضرار!. @T_algashgari [email protected]