صديقي الدكتور وليد أحمد اليافي من أشهر أطباء التخدير والرعاية المركزة في المملكة، ويعد من القادة الإداريين الذين تفوقوا في إدارة المرافق الصحية، وهو من الأصدقاء الذين أطلقت عليهم أصدقاء «استعادة بهجة الحياة»، وهذا النوع من الأصدقاء أصبح الاختلاط بهم جزءا من طريقتي في العيش وعنصرا ضروريا يضمن لي التوازن في الحياة ففكرة يعلو على القشور.. يبعث لي من حين لآخر «أبو خالد» برسائل مميزة وفاتنة الجمال.. ما يبعثه لي ليس زبدا يلمع على شاشة المحمول ثم يتلاشى في حينه أو رشاش مطر سرعان ما يمتصه التراب من دون أن ينبت في العقل شيئا.. ما يبعثه لي «أبو خالد» فلسفة وأدب وأطروحات فكرية رفيعة المستوى ورسائل رصينة شائقة، قد تتخلى فيها الفلسفة عن ثوبها الأكاديمي الضيق ولكنها لا تتخلى عن روحها الفكري اللامع.. بعث لي بدراسة أمريكية مفادها تفوق المستشفيات التي يشرف على إدارتها أطباء في السنوات الأخيرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية.. قرأت الدراسة بتمعن ووجدت أنها حقيقة تفرض نفسها وهي أن الجدل القديم حول المدير الطبيب والمدير غير الطبيب في إدارة المستشفيات يكاد يكون قد انتهى ونحن في عمق القرن الواحد والعشرين وأن هذا الجدل حسم بالرأي القائل بأنه ليس مهما أن يكون مدير المستشفى طبيبا أو غير طبيب المهم أن يكون محترفا في التخصص ملما بعلم إدارة المرافق الصحية خبرة ودراسة فلم يعد المسمى الوظيفي في القرن الواحد والعشرين يؤدي نفس دور «الجبة» التي كان يمكن للقائد الإداري في السابق ارتداؤها ليخفي تحتها عجزه.. لقد أصبح القائد الصحي في القرن الواحد والعشرين عاريا إلا من ورقة توت هي علمه وخبرته فنحن نعيش عصرا عقلانيا ذا نقلة نوعية جذرية وشاملة يغلب التخصص فيه على الجدل ويتخذ من الاحتراف مركزا للكون لم يعد في العالم المتقدم أحد يجادل أو يدافع عن هذه المقولة لأن العالم المتقدم يعيش حالة بداهة من الفكر المتخصص.. لقد اصبح هذا الجدل في الغرب شكلا كلاميا لا مكان له في سباق الأمم نحو الأفضل فهناك استبصار معرفي خلاق طرأ على دور مدير المستشفى جعل من وظيفته فعالية إبداعية في مجال الخدمة فرضه التطور الكبير في مفهوم المستشفى نفسه كمستشفى، فالمستشفى بعد أن كانت كلمة مشتقة عن اللاتينية تعني «إكرام الضيف وتطبيبه عند المرض» أصبحت جزءا من نظام اجتماعي يرتبط في أدائه ووظائفه ببرنامج صحي متكامل لا بد أن ينسجم مع النظام الصحي العالمي وتعددت وظائفه لتشمل الجانب العلاجي والوقائي والتدريبي والبحثي والتأهيلي.. كل ذلك لم يدع للمدير في القرن الواحد والعشرين خيارا إلا أن يكون محترفا متطورا علميا وعمليا ليستطيع الهيمنة على هذا المرفق الحساس وهذه الهيمنة لا تأتي بارتداء هذا المدير قناعا يقربه مما يشتهي بل بانضمامه لقائمة المحترفين.. ففكرة الاحتراف في المجال الصحي القيادي أصبحت حقيقة نشأت فوق أنقاض ذلك الجدل القديم: هل يكون مدير المستشفى طبيبا أو غير طبيب!! فالاحتراف طمس فعلا ذلك الجدل للحد الذي لم يعد جدلا بل تحول إلى جواب نهائي، ولم يختف ذلك الجدل فقط في البلدان المتقدمة بل شيعت معه كثيرا من الممارسات والطرق القيادية الكلاسيكية الصحية التي كانت تقوم في فلسفتها على مجموعة المبادئ المعروفة والقائمة على بناء الهيكل الرئيسي التنظيمي للمؤسسة كأساس لكامل العملية الإدارية لتحل محله فلسفة القيادة غير الموجهة ولتصبح هذه القيادة نموذجا لقيادة القرن الواحد والعشرين في المرافق الصحية في الولاياتالمتحدةالأمريكية تتبناه كثير من شركات التشغيل الكبرى وتعتبره علاجا مناسبا لتصحيح مسار بعض المنظمات التي تعاني من انحراف في تحقيق أهدافها بل وفرضته كفلسفة تدريب وأداء في المنظمات التابعة لها، وساهم هذا النوع من التفكير على تفرغ القيادة العليا هناك للتخطيط والابتكار والإبداع والرقابة وتصميم البرامج التطويرية.. لقد أصبح العالم المتقدم ينتظر من القائد في المرافق الصحية الكثير ولم يعد هذا العالم يهمه كون هذا القائد طبيبا أو غير طبيب كل همه ألا يتأخر هذا القائد في عمله حتى لا يشيخ وان يتبنى الاحتراف كمفهوم وليس كرمز أو يافطة وان يتحرر من أصفاد الفكر القيادي العتيق.. فاكبر درجات العبودية القيادية أن تشعر انك حر مطلق القدمين واليدين في إدارة مستشفى يعج بأرقى وأحدث المعدات والأجهزة والمباني وعقلك مقيد في أصفاد أفكار قيادية عقيمة وبالية كأنك تعيش داخل شرنقة من الذاتية منغلقا على نفسك.